الحياة صنعاء - نجلاء حسن : تحذيرات المسؤولين اليمنيين من احتمال تعرض البلاد لانفجار سكاني، نتيجة لارتفاع معدلات الخصوبة، لا تبلغ آذان كثيرين في البلد، فقلما تجد زوجين يمنيين يكتفيان بإنجاب طفلين، مثلاً، خلال خمس سنوات. آخر هذه التحذيرات أطلقها الأمين العام للمجلس الوطني اليمني أحمد بورجي، في خطاب بمناسبة «اليوم العالمي للسكان»، في 11 تموز (يوليو) الماضي، وجاء فيه أن التقديرات تشير إلى أن عدد سكان اليمن «سيصل إلى 43 مليون نسمة بحلول عام 2035، ما ينذر بمزيد من الفقر والمشكلات التنموية". وأسباب هذا «اللاتفاعل المجتمعي» مع التحذيرات الخطيرة كثيرة، تبدأ بمعتقدات ترتبط بأن القوة تكمن في كثرة العيال، وتمرّ بحرص الرجل اليمني على إنجاب عدد أكبر من الذكور، ولا تنتهي بخوف المرأة من اتهامات القريبين والبعيدين لها بنقص أنوثتها بسبب محدودية إنجابها. وأخطر تلك المعتقدات المتوارثة هو إيمان الغالبية، وبخاصة الفئة غير المتعلمة في المجتمع (نساء ورجالاً)، بأن وسائل تنظيم الأسرة الطبية أو الشعبية، يحرّمها الدين، ويعتبرها اعتراضاً على حكمة الله وإرادته. لذا يجد المهتمون بهذا الشأن في الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، صعوبة في إيصال رسالتهم على رغم أهميتها. «جمعية الأسرة اليمنية» وهي إحدى كبرى الجمعيات الناشطة في قضايا الأسرة، وبخاصة تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية، لديها نظرة متكاملة إلى هذه القضية. وتقول الدكتورة عواطف الشرجبي، مسؤولة برامج التدريب في الجمعية: «نفّذنا حملات توعية عدة، وما زلنا مقصّرين في شأن المباعدة بين الولادات ووسائل تنظيم الأسرة. حققنا قبولاً كبيراً وسط الفئات المستهدفة، لكننا لا نستطيع التأكد مما إذ طبقت نصائحنا أم لا». وتشير الشرجبي إلى أن فرق العمل، خلال الحملات التي وصلت إلى مديريات (مناطق) نائية محرومة من اهتمام وزارة الصحة، لم يواجهوا بالصد من الأهالي. وذلك لأنهم يعتمدون على التخطيط والتنسيق المسبق حول أهداف كل حملة، مع الجهات التي تعرف المنطقة تماماً، مثل المحافظين ومكاتب التربية والسلطات المحلية، مؤكدة أن هؤلاء هم «من يساعدنا على نشر الفكرة التي نهدف عبرها إلى تغيير السلوك الإنجابي لدى الأسرة اليمنية». وتضيف: «لعلمنا بأننا نستهدف فئات من مستويات مختلفة في التعليم والمعرفة، لا نعتمد في برنامج الحملة على المحاضرات الطبية العلمية الجافة، بل نلجأ إلى تضمين برنامج الحملة مسرحيات وأنشودات، تتناول القضايا بطريقة مبسّطة وفاعلة، تقرّبها من مفهوم الناس». ولا تستبعد الشرجبي أن الحالة الاقتصادية المتدنية لسكان المناطق الريفية بخاصة، تعزز لديهم الاعتقاد بأن وسائل المباعدة بين الولادات (تنظيم الأسرة)، تباع بمبالغ باهظة. ولذا يعفون أنفسهم من السؤال عنها بعد أن توزّع عليهم أثناء الحملات، وذلك لجهلهم بأن وزارة الصحة توزعها مجاناً على المستفيدين. وإلى جانب حملات التوعية، تنظّم جمعية الأسرة دورات تدريبية للمستهدفين، منها ما يخص الرجال والنساء على حد سواء، في حين يوجه بعضها إلى الشبان والشابات المقبلين على الزواج. وعلى رغم كثرة حملات التوعية، سواء كانت تنفّذها منظمات المجتمع المدني أم الجهات الرسمية المختصة، يتمسّك المجتمع الأهلي، بمجمله، كثيراً بمعتقداته وقيمه حيال «التكاثر»، متناسياً أخطار حدوث انفجار سكاني، لا تقوى البلاد على تحمل تداعياته. يقول يحي أحمد النجار، رئيس «مؤسسة الإرشاد الاجتماعي»، إن ما يجعل قضية الإنجاب في اليمن مشكلة تثقل كاهل المجتمع، هو أن التقليديين يتفاخرون بكثرة الإنجاب، وغياب التفاهم بين الزوجين على ما يخص المباعدة بين الولادات، يفاقم المشكلة. ويعتقد أن «اعتماد الناس على الناحية الشرعية التي لا تجيز تنظيم النسل بأي وسيلة، نتيجة الفهم الملتبس للآية القرآنية «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم»، وللحديث النبوي الشريف «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم»، أدى إلى حرصهم على زيادة عدد الأبناء». لذا تركّز «مؤسسة الإرشاد الاجتماعي» على إيصال تفسير واضح للآية والحديث إياهما، إلى الناس من خلال إقامة دورات تدريبية استهدفت فيها حتى الآن أكثر من 9 آلاف خطيب جامع على مستوى الجمهورية، و «خرجوا من هذه الدورات بقناعة بأهمية استخدام وسائل تنظيم الأسرة»، كما يقول النجار. وعن اختيار الخطباء تحديداً، يقول رئيس المؤسسة: «المجتمع اليمني تحكمه العاطفة الدينية ويتأثر بالخطاب الديني. ويعتبر كل ما يأتي من الخطيب، أو العالم الديني، فتوى يجب العمل بها، لذا اعتمدنا على الخطباء، وقد نجحنا من خلالهم». وبدأت المؤسسة تلمس قبولاً متزايداً منذ منتصف تسعينات القرن العشرين، «وما زلنا مستمرين في تأكيدنا للناس، من خلال التوعية، أننا لا نهدف إلى قطع النسل إنما إلى تنظيمه، وهو ما سيعود بالفائدة على الجميع». وعلى رغم هذه الجهود وغيرها، لا يزال اليمن يصنّف الأعلى عالمياً لجهة تزايد معدل النمو السكاني، ما ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل، كما تتفق عليه دراسات كثيرة ذات صلة. سكان اليمن 61 مليوناً عام 2033 توقع مكتب المراجع السكانية، ومقره واشنطن، مطلع هذه السنة، أن يرتفع عدد سكان اليمن من 22,4 مليون في 2007 إلى 58 مليوناً بحلول عام 2050، وذلك لما يشهده البلد من نمو سكاني مضطرد. وتقول تقديرات صحية محلية ان عدد السكان اليمنيين سيصل إلى 61 مليون نسمة، بحلول العام 2033، في ضوء استمرار معدل النمو السكاني المتسارع وارتفاع معدل الخصوبة، المقدر ب6 أطفال لكل امرأة. وتؤكد أن أكثر من ثلث الولادات في اليمن (37 في المئة) تتم بعد فترة تباعد أقل من سنتين بين مولود وآخر، ما يشكل خطورة على صحة الأمهات والأطفال. ووفقاً للنتائج النهائية للتعداد العام للسكان والمساكن، لعام 2004، فاق عدد سكان الجمهورية اليمنية ال 21 مليون نسمة، أكثر من 19 مليوناً منهم مقيمون داخل الجمهورية، ونحو مليونين خارجها (ليلة الاسناد الزمني للتعداد صباح الجمعة 17 كانون الأول/ ديسمبر 2004). وبلغ عدد الذكور المقيمين نحو 10 ملايين و37 ألفاً، فيما بلغ عدد الاناث نحو 9 ملايين. وجاءت محافظة تعز والحديدة وإب في المقدمة من حيث الكثافة السكانية بعدد إجمالي يفوق 6 ملايين نسمة، بينما جاءت أمانة العاصمة صنعاء في المركز الأول في معدل النمو السكاني.