لأكثر من ساعة وقفت متبلداً في قاعة 22 مايو غير مصدق أن بوسع اليمنيين التحدث أمام رئيسهم بتلك الجرأة، واللباقة، وأن بعضهم كان أجرأ بكثير من المعارضة في النقد؛رغم أنهم بحزب واحد. حين تحدث أحد المؤتمريين عن استقطاعات تصل إلى أكثر من «15» ألف ريال من حقوق المعلمين انتفض الأخ الرئيس، وانفعل غضباً من أولئك الفاسدين المتطفلين على أرزاق الغير.. لكن الأخ الرئيس حين تحدثت السيدة/آمنة رئيسة اتحاد نساء أبين بكل جرأة، وانتقدت الأوضاع في محافظتها بكل شجاعة لم يجد بداً من التصفيق لها، وشكرها على التطرق لهموم أبناء محافظتها. الإخوة والأخوات في المؤتمر الشعبي العام عقدوا الدورة الثانية للجنة الدائمة في ظرف حساس، وطرحوا الكثير جداً من القضايا الوطنية، وحملوا هموم الشارع اليمني إلى صالة الاجتماع، ولم يتركوا هماً لمواطن من غير أن يتحدثوا عنه بكل وضوح وصراحة ابتداءً من علبة «الزبادي» التي ارتفع سعرها من خمسين إلى مائة ريال رغم أنها بريئة من تهمة الأسعار الدولية، وانتهاءً بقضايا السلاح وما تلحقه من أضرار بالوطن وأرواح المواطنين، ومطالبة نواب المؤتمر بأن يكونوا القدوة وأول من يذهب إلى البرلمان بغير عكفة مسلحة. لاشك أن أعضاء دائمة المؤتمر والرئيس تفوقوا على المعارضة في المكاشفة والنقد والحماس الذي تناولوا فيه المسائل المختلفة. وبدا لي أن الكل يبحث عن حلول للمشاكل وعن تغيير للحالة القائمة، لكن أيضاً كان هناك من هم غير مبالين بشيء، وغير مكترثين لا للكبير ولا للصغير خلال تداول الهموم التي يقاسيها المواطن ؛ لذلك طاب لهم عمل حلقات ودردشة في مؤخرة القاعة، وانهمكوا بعالمهم الخاص. تساءلت مع نفسي وأنا آرى المشهد إن كان بوسع قيادة المؤتمر إعادة مشاهدة ما تم تصويره وفرز هؤلاء الناس لأنهم للأسف الشديد هم المسيئون للمؤتمر، وهم العابثون باسم المؤتمر، وهم المنافقون بعشرات الوجوه فيما غيرهم يتقطع قلبه بحثاً عن حلٍ لمشاكل مواطنيه، أو للعاملين في هذا القطاع أو ذاك. أعتقد أن المرحلة لم تعد تحتمل مجاملة من هو لا يطيق حتى الاستماع داخل اجتماع تنظيمي لهموم شعبه ومعاناته.. كما أن الرهان الذي يحمله المؤتمر أكبر من قدرة بعض المتطفلين عليه، على تقاسم المسؤوليات، فالإنجازات التي حققها المؤتمر خلال ربع قرن أعظم من أن يشاطر صنّاعها بعض المنضوين تحت مظلته ممن لاهمّ لهم إلا انفسهم ومصالحهم.. وأعتقد أن بعض الذين تحدثوا أمس لامسوا هذه النقطة. لقد لفت انتباهي مقترح أحدهم بتشكيل لجنة استشارية لاختيار المرشحين للانتخابات ضمن نطاق كل دائرة انتخابية وهو رأي سديد مادام المؤتمر يعتزم احتراف العمل السياسي الوطني. كنت أتمنى أن تشاهد بعض أحزاب المعارضة وقائع الجلسة لتتعلم منها الشفافية وعدم التعصب الأعمى، والموضوعية في الطرح.. فهذا الأمر مازال ينقص ساحة التعددية الحزبية اليمنية مثلما ينقص المؤتمر التعامل بكل جدية مع كل ما طرح في الجلسة ففي تجارب سابقة ظلت بعض الملفات معلقة، فتراكمت، وتعقدت، وأصبحت اليوم معضلة ليس من السهل تجاوزها.. إلا أننا في النهاية نقول إن هؤلاء يصنعون التجربة للأجيال، وينمونها، ويكفيهم فخراً أنهم، روّاد الحراك الديمقراطي في اليمن.