التمييز بين الفنان والحروفي لا يستقيم على المعنى الفني الدقيق ، فالحروفي فنان، والفن صفة شاملة لكل المبدعين بمن فيهم الحرفيون العاميون البسطاء، غير أن الآداب النقدية والجمالية درجت على التوصيفات الثنائية والتعددية للمدارس والأنواع الفنية بوصفها وسيلة لتبسيط الاستقراء، وطريقة لتحديد خصوصية النوع الفن الواحد وتميزه عن النوع الآخر، ولهذا السبب جاز القول بثنائية “ الفنان / والحروفي “ باعتبار أن الحروفي يشتغل أساساً وفق مقتضيات فن الخط العربي وآفاقه اللامتناهية في التعبير حد الإيغال في التجريد . تواشج العناصر الفنية بين الخط والتشكيل هو موضوع يحيلنا إلى ساحات الفن الواسعة، فالجميع يدور في ذلك الفلك، فالخطاط الذي ينطلق من الموسيقى الهندسية البصرية للحروفية العربية يتوازى مع الفنان الذي ينطلق من ذات المقدمات في أُفق آخر. كلاهما محكوم بجبرية الانتماء لقواعد الفن والهندسة اللوغاريتمية الضابطة له، فاللوحة ترميز مكثف للسياج البنائي الهندسي البصري الذي يستطرد على اللون والفراغات والإيحاء والإشارات، وكلاهما «الحروفي والفنان » يذهبان سوية إلى بحار التجريد وآفاقها الكبيرة لوناً وكتلةً وانسياباً ومرونة. لكن الحديث عن المستويين يبدو «إجرائياً» باعتبار أنهما يمثلان جوهراً واحداً، سواء بالمعاني التقنية أو التخييلية المفاهيمية المنفتحة على أبواب الإبداع التشكيلي بمستوياته المختلفة، فالتشكيل يخرج من تضاعيف اللوحة ليغوص بعيداً في عوالم العمارة والغنائية البصرية للبُعد الثالث، وأنساق التنظيم الهندسي الجمالي الذي يحيل التداخل والتواشج بين الفنان والحروفي إلى علمي جمال الشكل والمضمون . تلك المرئيات تضعنا أمام مفتاح «صول » الفن ، ذلك المفتاح الذي يلج بنا إلى أبواب الفنون ويتجول بنا في فصولها، ويرينا أروقتها ودهاليزها، ويعرفنا بأسرارها وخفاياها، ويميد بنا إلى عوالم الروح اللاقطة لتلك المعاني والانبجاسات، الوامضة كلمعة فوق زهرة ربيعية .