كان رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام أجود الناس، وكان أجود ما يكون «أي أكثر جوداً» في رمضان من الريح المرسلة. وقد أوشك رمضان على الرحيل، وقد خاب وخسر من ذهب رمضان ولم يُغفر له، للحديث الذي أورده الإمام أحمد بن حنبل في مسنده؛ أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، بينما كان يصعد منبره الشريف صعد درجة، وسمعه الصحابة يقول آمين، ثم صعد درجة فقال آمين، ثم صعد الدرجة الثالثة وكان منبره الشريف من ثلاث درجات فقال آمين، ولما فرغ من خطبته سأله بعض أصحابه عن قوله آمين. فقال الرسول الكريم: سمعت جبريل يقول رغم أنفه من ذهب رمضان ولم يغفر له، قل يا محمد آمين، فقلت آمين، ثم قال لي رغم أنفه من لم يصل رحمه، قل يا محمد آمين، فقلت آمين، ثم قال رغم أنفه من لم يصلِ عليك، قل يا محمد آمين، فقلت آمين، الحديث أو معناه. فالذي لم يصم رمضان، أو صامه ولم يقدّر قدره، فمارس فيه ظلم العباد وتخلف عن إجابة نداء الله فاقترف الحرام وابتعد عن الحلال، وشغل أيام رمضان ولياليه بالنميمة والغيبة والدسائس والمؤامرات وقطع أرحامه، وشغل نفسه بالحقد والحسد، لن يحصد إلا الخيبة والخسار والآثام. لأن رمضان مائدة الله لعباده المؤمنين الذين استجابوا لله ولرسوله، وكرامة يرفع الله بها عباده الموحدين، ومن لم يغفر له في رمضان فقد خرج من هذه المأدبة جائعاً فقيراً، وتخلّت عنه نفحة التكريم والإكرام من المولى الكريم العلام. إن المطلوب أن يشمّر المسلم في هذه الليالي المباركة عن ساعد الجد، فيغتنم فرصة الليالي البواقي؛ فهي أيام مغفرة وعتق من النار، ومن القربات في هذه الليالي الجود بالمال وإعطاؤه للفقراء والمساكين الذين هم جديرون بالرحمة. وكان الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام يقبّل أيدي المساكين ويضع فيها المال، ويقول: أهلاً بمن جاء من عند ربي، فهو يعتقد أن المسكين الذي يأتيه ليسأله إنما هو محوّل من الله إليه ليكون سبباً في رفع درجاته. ولقد عُرف أهل اليمن بأنهم أهل رحمة ومودة للذين آمنوا وأرق أفئدة.