الضوء.. الظلمة.. النور.. العتمة.. أسماء اعتدنا أن نطلقها على تغييرات وتقلبات الليل والنهار، وحركة الشمس والقمر، ولكننا أيضاً اعتدنا استعمال بعضها في سياق وصفي لتصرفات إنسانية، فنطلق على البعض أنهم من ذوي الرؤية المعتمة والنفسية المظلمة أو العكس بالعكس، للدلالة على خبث أو ضعف في الرؤية أو على نفسية مريضة وممارسات غير سوية، ونستعمل النور والضوء للدلالة على الإبصار والإشراق في الرؤيا، والانبلاج في الفكر إلى صبح صحيح، فصار مستنيراً فكراً، وبصيرة، وفي الضوء نراها ممارسات واضحة. وهكذا يكون الاختفاء وراء الألفاظ هو اختفاء وراء جٌدر، وحين تصدر الألفاظ وتخرج العبارات فهي تخرج من وراء جدر ومن ظلمات، وتخاف الضوء وتسقط فيه، فيصبح على صاحب هذا الحال إلا أن يتشبث بخيوط العنكبوت وينسج لنفسه بيتاً شبيهاً ببيوت العنكبوت، ولكنه لايدرك أن أوهن البيوت بيوت العنكبوت، كما أنه لايدرك أن العنكبوت أول ضحايا هذا النسيج الضعيف الواهن. على ذات النسق، حكى لي صديق حكاية غريبة، وعجيبة، تتصل بموضوع شخصي، وحين حدثني عنه، قال : هذه حكايتي وإن استطعت أن تكتبها أو إذا شئت فافعل.. والحكاية هي: عشر سنوات ونيف من التعلق بأمل، والغوص في أعماق من الأفكار والأحلام، والحديث في المستقبل، والدخول إلى رحاب حياة جديدة، تنهدم فيه كل البناءات التي تم بناؤها عبر سنوات اختلط فيها الألم بالأمل، وأحلام اليقظة بأحلام النوم وأحلام المسافات البعيدة.. وكان الانهيار بفعل حدث لايمكن أن يكون سبباً لأي تعكر في أجواء العلاقة ناهيك عن إحداث قطيعة بأي أمد أو مستوى، وعقّب صاحبي وقال : لقد تم محاكمتي على أساس من تفسير لم أكن على الإطلاق قد فكرت فيه أو قد خامرني أو خالط شاردة من الفكر ناهيك عن فكرة، وحاولت الإيضاح والإبانة ولكن القسوة والغلظة والنظرة من علٍ كانت رافضة لقبول صوت الحقيقة والعقل.. فقالت لقد اتخذت موقفاً، ولم أعد بمقدوري العودة عن هذا الموقف، بأي حال من الأحوال، فهذه قناعة ترسخت من خلال مشاهده، وبفعل إعمال عقلي الذي هداني بعيداً عن قلبي إلى اتخاذ هذا الموقف الذي لا أراه سليماً؟؟ ثم صمت صمتاً طويلاً، وأغرورقت عيناه بالدموع، وتأوه بحرقة وأطلق من صدره المصاب بذبحة سنواته العشر ويزيد ، زفرات حارة وآهات مملوءة بالألم، فقاطعته : هل تدعو عليها؟، فأجاب بسرعة مذهلة : لا، فمن يحب لايمكن أن يكره، ولكنني أدعو لها بالصلاح فلم يجمعنا سوء ولم يقع بيننا إلا كل خير، وسامح الله الأسباب، ولعل فيما حدث ما يزكي الأنفس ويعيد النظر في كل ماسبق من وقائع وقناعات سواء في هذا الموضوع أو في غيره، فقلت له، هنيئاً لك هذا الروح الطيب والصدر الواسع رغم الجروح، ولكنني أسأل : هل صحيح أن من يحب لايمكن أن يكره ؟ فقال : نعم إلا إذا كان الحب لمصلحة عابرة لم تتحقق فهو يتحول إلى انتقام وحقد لا نهاية له، عافاني الله وإياك وكل من يقرأ هذا ويسمعه من مثل هذا السلوك المشين. والله من وراء القصد.