عندما قرر - كما زعم - استيقظ شيء ما في أعماقه، رفع سماعة الهاتف ليخبرها الحقيقة ولكن بصورة مزيفة أيضاً، من بين مئات الكلمات ثلاث جمل غير مفيدة اختصر بها سنوات من الانتظار الطويل :- «أتمنى لك حياة سعيدة، دعينا نصبح أصدقاء فقط، دون وعود أو التزامات». كان الحوار طويلاً، مملاً وحزيناً كعاصفة خلفت وراءها الكثير من المتاعب والحكام. في قرارة نفسها كانت تريد أن تكون حيث أراد، لكنها لن تتحمل تبعات هذا القرار. إما أن تكون ذكرى أو أن تكون في متناول يديه متى شاء، لأنها تحبه، وفي كلتا الحالتين هي لا شيء. لن تكون فاضلة كما اعتادت، في مخيلتها دارت الكثير من الأفكار، فحدثت نفسها بحزم: سأوافق لأنني لا أستطيع أن أبقى بدونه، سأظل أسمع صوته الذي أحب، سأكون معه أينما كان، لا يهم أن يحبني أو أن يكون صادقاً معي، لأن الحياة دونه مستحيلة، سأبقى له. تنطلق الزفرات تلو الأخرى من صدرها الطافح بالحب والحنق، فيحدثها القلب : لن تكوني سعيدة، سيحدث الآخرين كثيراً عن تطفلك وجنونك، سيقص لزوجته قصة امرأة تفرض نفسها وتطارده حينما تمسك به متورطاً بإحدى مكالماتك البائسة، ستلوك الأخريات سمعتك، ولن تكوني إلا شبحاً يثير التقزز والريبة في نفوسهن. كانت عيناها قد أغرورقتا بدموع ادخرتها منذ فترة طويلة لهذا اليوم، حينما مدت بصرها عالياً ليصطدم بصوره وأطيافه التي حاصرت سقف الغرفة، ورأسها مرمي وراء ذاكرتها المتعبة به، محدثة نفسها: - « ربما يجدر بي أن أكون مجرد ذكرى».