إن المتأمل لهذا العالم الذي يغصّ بناره ورماده يجد أن هناك مصفوفة من القضايا ذات الشأن العالمي التي لها تأثيرات خطيرة على سيادة الدول وعلى حقوق الإنسان وعلى حقه في تقرير مصيره ، فهناك خدعة التدخلات الخارجية لحماية حقوق الإنسان والتدخل باسم الديمقراطية والتدخل باسم منع امتلاك الأسلحة النووية أو حتى مجرد النية بامتلاكها كما حدث في العراق. إلا أن أخطر هذه القضايا هي قضية الجندي المأجور أو بما يعرف بالمرتزقة وهي القضية التي لم تلق الدراسة والتحليل الكافي للإفصاح عن خطورتها وآثارها المدمرة.. ويمكن أن نتناول هذا الموضوع من خلال المحاور التالية: التعريف بالمرتزقة، نماذج استخدام المرتزقة، تحذير الشرع من بروز هذه الظاهرة الشيطانية. ففي أحد مؤتمرات جنيف تم تعريف المرتزقة على النحو التالي:- إن المرتزق هو الشخص الذي يقاتل من أجل المال. إن المرتزق لايحمل جنسية الدول المتورطة في النزاع. وبهذا التعريف الذي يعد المدخل الملائم لموضوع المرتزقة يمكن القول إن المرتزقة هم جماعة يتورطون في نزاع دولي وتكون غايتهم الحصول على المال ولو على حساب الآخرين وتكون مشاركتهم فعلية ، بمعنى أنهم يحملون السلاح ويمارسون القتل والتدمير كما هو حاصل اليوم في العراق لدرجة جعلت بوش القاتل المحترف ورئيس وزرائه في العراق المالكي يفغرون أفواههم من هول وشدة القتل الذي يقوم به المرتزقة في العراق. ويمكن إيضاح ماتقدم من خلال تقديم نماذج للجندي القاتل من أوروبا وآخر من آسيا حيث يتشابه هذان النموذجان من حيث إن ضحاياه من المسلمين النموذج الأول: بعد غزو العراق من قبل الأمريكان 2003م تم الاستعانة بجنود مرتزقة إذ تم السماح لإحدى شركات الموت البريطانية «بلاك ووتر» بالدخول إلى العراق وقامت هذه الشركة بتوظيف واستخدام «40» ألف جندي مأجور للقتال في العراق وكان أهم عملٍ لها هو قيامها بالمقاولة على منطقة «الفلّوجة» للتخلص من جنود المقاومة وقتلهم وقد استمرت المعركة فيها قرُابة الشهر وتم فيها استخدام كل أنواع الأسلحة الفتاكة وقصفها جواً بآلاف الأطنان من المتفجرات إلا أن المقاومة استطاعت أن تصد هذا الشيطان المأجور وسرعان ماعرض الأمريكان والمرتزقة الحوار والتفاوض لإيقاف المعركة في الفلوجة. النموذج الثاني للمرتزقة: هو الصراع الذي دار في يوغسلافيا السابقة بين الصرب والبوسنيين عام 1997م إذ وجد مقاتلون مرتزقة روس يقاتلون جنباً إلى جنب مع الصرب ضد البوسنة وكان مقدار مايأخذه الضابط من المرتزقة «400» دولار نظير خدماته من القتل والاغتصاب. لقد تم الاستعانة بالجندي المأجور في معظم حروب العصر في أفريقيا وجزر القمر. وقد ذكر الأستاذ محمد حسنين هيكل في إحدى مقابلاته على قناة الجزيرة أن ظاهرة المرتزقة ليست ظاهرة حديثة مقتصرة على عصرنا الراهن بل إن لها جذوراً سابقة ترجع إلى مابعد انسحاب القوات الصليبية وبقاء مجموعة من العسكر وتكوينهم لما يعرف ب«فرسان مالطا» ثم أخذت الظاهرة تتطور ففي العصور الوسطى كان أمراء الإقطاع يقومون باستخدام المرتزقة في حروبهم. أما اليوم فقد وصل الأمر إلى أن أصبح للمرتزقة شركات ومكاتب خاصة ومكاتب تحقيق خاصة مثل مكتب كاكي الذي اشتهر في العراق في سجن أبو غريب وبالنسبة للشركات عرفنا شركة «بلاك ووتر» هذه الشركة الشيطانية التي تحترف وتمتهن القتل في العراق. إن بروز هذه الآفة الشيطانية لم تكن لتمر دون أن ينبّه إليها الشرع الذي دعا إلى احترام الإنسان بغض النظر عن الديانة والجنس والعرق ، فجعل كل المسلم على المسلم حراماً دمه وماله وعرضه وفي نفس الوقت حرص وشدد على تحريم قتل غير المسلم «المُعاهد» ونجد أنه يحذّر من يتعمد القتل ويتخذه مهنة ووسيلة للكسب الحرام فقال «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً». وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن مفهوم المرتزقة قد تطوّر وتغيّر بظهور جيل جديد من المرتزقة الذي يقتلون لمجرد الاختلاف في الدين والعقيدة ويعد بوش من المؤسسين الجدد لهذا المبدأ ولعل وصف الحرب الأخيرة ضد العراق بأنها حرب صليبية خير دليل على ذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه : كيف يمكن أن ننظر إلى عمليات القتل للأجانب في الوطن العربي كما حدث في مأرب مؤخراً من استهداف للسياح الأسبان. وللجواب على ذلك لابد من معرفة أن السائح الذي يدخل الدولة يعتبر في ذمة الله ورسوله وذمة الدولة التي سمحت له بالدخول لذلك نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن رائحتها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً». إن المشكلة الحقيقية لهذا النوع من العمليات تكمن في انعكاسها على صورة الاسلام ومن جهة أخرى أن من يقوم بتلك العمليات يظن أنه ينتصر لدولته ولأمته بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً.