في الأدب السياسي كما في كل مجالات المعرفة البشرية تتعرض النصوص لتحويرات وتغييرات ناجمة عن تفسيرها الخاص أو ترجمتها وفق مزاج وذائقة من نقل النص من لغة لأخرى .. لذلك كان المشرعون يحرصون دوماً على قانونية الترجمة أو ما يسمونه بالترجمة القانونية للنصوص .. كما دار جدل تاريخي واسع حول الفرق بين التفسير والتأويل .. فالبعض يعتقد أن التفسير لا يعدو أن يكون تفكيكاً لمعالم النص الأول أو تبسيطه ونقله إلى المتلقي .. لذلك فإنهم يعتبرون التفسير مرحلة أولى فيما التأويل مرحلة تالية.. وبحسب هذه النظرة يكون التأويل إمعاناً في الذاتية من قبل الناقل للنص .. أما التفسير فإنه نقل دقيق وموضوعي. هذا الرأي السائد في أدبياتنا التاريخية يقابله رأي يقول بأن التفسير والتأويل ليسا إلا وجهين لعملة واحدة .. فالمفسر يختار النص وينقله من سياقه الظاهر إلى سياق آخر قد يحتمل التدخل الذاتي من طرفه .. وبالتالي فإنه يقوم أيضاً بنوع من التأويل لأنه يحضر في أساس النص المنقول وهو ينتقي ويفسر بالكيفية التي يراها مناسبة. هذا التداخل بين المستويين الإجرائيين أو المستويين اللذين تعارفنا عليهما تاريخياً يجعلنا نعيد النظر في هرمانوتكيا «فلسفة النص» التعامل مع النص سواءً من خلال إحالته إلى مدخلاته الأصلية كأمر موضوعي أو من خلال التفاعلات السياقية مع المترجم أو الشارح أو المتلقي .. بحيث إننا نجد أنفسنا أمام حالة ديناميكية عقلية وذوقية لا يمكن اختزالها في التبويبات الثنائية التي تعارفنا عليها أو في المفاهيم التعريفية الإجرائية التي تضعنا أمام مفهوم واحد ووحيد للترجمة أوالتفسير. في هذا الباب سنجد إشارات ودلائل تنتمي للمفسرين الكبار أمثال الطبري والبيضاوي والزمخشري.. كما نجد لطيفة أخرى عند الشيخ/محيي الدين بن عربي الذي ترجم أو فسر ديوانه المثير للجدل «ترجمان الأشواق» وكان بذلك من أوائل من اجترحوا مأثرة الخروج عن التعريفات الجاهزة استناداً لمفهومه المعرفي الذي لا يقف عند حد ظاهر الكلام بل يمعن في السباحة به إلى فضاءات متغايرة وواسعة. [email protected]