تعودنا من فخامة الأخ الرئيس إطلاق المبادرات الواحدة تلو الأخرى،وطرحها على الرأي العام اليمني،وإشراك المجتمع اليمني بكافة شرائحه الاجتماعية وأطيافه السياسية في مناقشتها وإبداء الرأي حولها،وتعديلها أوتصويبها،وإظهار العيوب التي قد تتعلق بواحدة أو أكثر من النقاط المطروحة للنقاش السياسي،واقتراح البدائل ووضع الآليات الكفيلة بتحقيقها في الواقع اليمني. والمبادرة التي أطلقها عشية الاحتفال بالذكرى الخامسة والأربعين للثورة اليمنية «26سبتمبر» التي جاءت في اطار الالتزام بتنفيذ ماجاء في البرنامج الانتخابي من وعود بإصلاحات سياسية وادارية وقانونية والتي سبق له طرحها في جلسات الحوار المفتوح مع الاحزاب السياسية اليمنية الذي تخلفت عن حضوره احزاب اللقاء المشترك، هذه المبادرة حوت عشرة بنود تتعلق بسلسلة من الاصلاحات السياسية والادارية والقانونية التي اقترحها فخامته دفعة واحدة لاصلاح النظام السياسي اليمني . وفي تاريخ التجربة السياسية اليمنية العديد من شواهد الحال التي تؤيد هذا النهج الذي ظل سمة تميز مسيرة حكم فخامة الأخ الرئيس منذ توليه مقاليد السلطة،وتؤكد أن الشعب اليمني قد دعي خلال العديد من المناسبات للمشاركة سياسياً عبر الحوار الوطني المفتوح،وقد نجح في اختيار البدائل المناسبة للعمل السياسي ولواقع مجتمعنا اليمني وبيئته وظروفه الاجتماعية والسياسية. ربما أكون قد خالفت الكثيرين ممن لم ترقهم التطورات التي عرفها مجتمعنا اليمني خلال الأيام القليلة الماضية الرأي في قليل أو كثير مما يذهبون إليه،وخاصة إن قلت: إن صدور المبادرة الرئاسية المتعلقة لم يكن مفاجئاً للعديد من المراقبين والمحللين المتابعين للشأن السياسي اليمني، حتى وإن بدا اختيار التوقيت للبعض مفاجئاً أو على الأقل غير مناسب لطرحها واشغال الرأي العام الوطني بقضايا أخرى مهما كانت أهميتها في الوقت الذي تعرف الساحة السياسية اليمنية العديد من المشاكل والقضايا التي يفترض أن يوليها الرئيس عنايته واهتمامه،و أن لايقفز عليها كلها دفعة واحدة مهما كانت المبررات والدوافع،وأنه كان من الأولى أن تلتفت الحكومة لمعالجة تداعيات تلك المشاكل والقضايا عبر الاهتمام بقضية التنمية ،ومحاربة بؤر الفساد المالي والاداري،وتقليص الفجوة المتزايدة بين الفئات الاجتماعية اليمنية،ومعالجة أسباب الفقر المستشري في أوساط العديد من ابناء المجتمع اليمني،وقطع كل سبيل أوطريق على كل من يسعى لاساءة استغلال تلك القضايا شعبياً وسياسياًواعلامياً،وحرفها عن واقع كونها قضايا مطلبية وحقوقية، قبل أن يصار إلى الحديث عن معالجات واصلاحات سياسية للنظام السياسي. ومع أن مسألة اختيار التوقيت لاطلاق مبادرة من نفس الحجم تعد أمراً يتعلق بشخصية الأخ الرئيس وحسن تقديره للظروف والأوضاع، فإن العديد من الاحزاب السياسية والقوى الوطنية قد بادرت إلى رفض المبادرة جملة وتفصيلاً،وربما كان من الأفضل أن تنصب ملاحظاتها وانتقاداتها على فحوى المبادرة وبنودها،والغرض من اطلاقها في هذا التوقيت بالذات،ومدى جديتها وملاءمتها لأوضاع المجتمع اليمني الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بدلاً من الاهتمام بالبحث عن أسباب اختيار التوقيت ، وربما يجدر بنا الاشارة ولو من باب التذكير وانعاش الذاكرة الوطنية إلى أن العديد من الاطراف السياسية اليمنية قد اتفقت في فترة سابقة على اعتبار «الاصلاح السياسي والوطني الشامل» بمثابة العامل الأكثر أولوية من أجل معالجة العديد من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التنمية الاقتصادية ومعالجة أسباب الفقر في المجتمع اليمني. ومع ذلك،وعلى الرغم من أننا لانستطيع أن ننكر وجاهة بعض تلك الآراء والتحليلات،وملامستها لجوهر العديد من المشاكل التي تعتمل في واقع مجتمعنا اليمني،فإن ذلك لاينبغي أن يصرفنا عن الاشارة إلى أهمية ماحملته المبادرة الرئاسية من بنود،والأهم من ذلك، ماستطرحه من محاذير واشكاليات قانونية وسياسية عند التطبيق، خاصة إن اسييء فهمها ولم يحسن تطبيقها بالصورة التي وضعت لأجلها وبالخصوص البنود«المتعلقة بالتحول إلى النظام الرئاسي بالكامل للدولة على المستوى السياسي والحزبي والقانوني،والتحول نحو توسيع نطاق الحكم المحلي على المستوى الاداري،والكوتا النسائية على مستوى التركيبة الاجتماعية»،وهي الأمور التي تحتاج من جميع الباحثين اليمنيين والمتخصصين مناقشتها بموضوعية وبروية وتعقل بدلاً من لغة الانفعال والتحيز ايجاباً أوسلباً والمناكفة أوالمزايدة الحزبية والسياسية، لبيان الآليات الكفيلة بتطبيقها وفقاً لواقعنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي،وربما تكون الندوة التي ستعقد في«كلية الحقوق بجامعة تعز» خلال الأيام القادمة مناسبة من أجل اثارة وتناول كل هذه النقاط على بساط البحث العلمي والدراسة الموضوعية،وأن يحدد الباحثون والقانونيون الذين سيحضرون الندوة آليات الانتقال بالمبادرة من المستوى النظري إلى التطبيق الفعلي،والمحاذير التي يتوقع حصولها عند التطبيق بالمقارنة مع النظم السياسية «والنظام الرئاسي الأمريكي تحديداً،وليس النظام السياسي الفرنسي الذي يعده بعض كتابنا وماأكثرهم عن طريق الخطأ نظاماً رئاسياً مع أنه أصل ومصدر تطبيق النظام المختلط من النظامين الرئاسي والبرلماني الذي يشبه نظامنا السياسي الحالي» التي طبقت نفس النوع من نظم الحكم لتحديد سبل تلافيها،وسيكون لنا إن شاء الله وقفة مستفيضة للحديث عن بنود المبادرة الرئاسية وتحليل العديد من النقاط التي وردت فيها. ? أستاذ العلوم السياسية المساعد جامعة إب