الندوات الفكرية والعلمية،التي احتضنتها جامعة إب،وقبلها جامعتا تعز،وذمار،وفي الأيام القادمة جامعة عدن،والحوارات العلمية والوطنية التي شهدتها الساحة الوطنية كانت مناسبة مهمة لمعرفة رأي المختصين والمهتمين حول فحوى ومضمون المبادرة،وفرصة أكيدة لمناقشة مختلف النقاط الواردة في المبادرة الرئاسية بحرية كاملة بنية إثرائها،وبيان مختلف جوانبها والنقاط المتعلقة بإصلاح النظام السياسي اليمني وتغيير شكله من نظام خليط إلى نظام رئاسي كامل،وكذا إدخال العديد من الإصلاحات على مستوى السلطة التشريعية باعتماد نظام الغرفتين،وعلى المستوى الاجتماعي زيادة ورفع تمثيل المرأة في المجال السياسي،وعلى مستوى تعزيز الدور الرقابي للسلطة القضائية على نزاهة الانتخابات. في البداية ،نسجل أن أكثر الجدل والنقاش الذي رافق إطلاق فخامة الأخ الرئيس لمبادرته المتعلقة بإصلاح النظام السياسي على المستويين المركزي والمحلي،انصب حول البنود المتعلقة بالنقاط التالية: 1 النظام الرئاسي،المرغوب تطبيقه في مجتمعنا اليمني،وضرورة توافقه مع خصوصيات التجربة السياسية اليمنية،ومراعاته لظروف المجتمع اليمني السياسية،والاقتصادية والاجتماعية ،والثقافية،والأهم من ذلك ضرورة معالجة مظاهر الاختلال والفساد السياسي والإداري، وتحقيق آمال الشعب وطموحاته في التنمية والاستقرار السياسي،والحفاظ على القيم الديمقراطية والتعددية الحزبية ،وحماية حقوق الإنسان داخل المجتمع. 2 الحكم المحلي ،وإمكانيات تطبيقه في ظل دولة الوحدة اليمنية،وأهمية ضمان وبقاء تماسك هذه الدولة بعيداً عن الأحاديث الممجوجة والمتكررة عن تطبيق الفيدرالية أو الكونفيدرالية،وتحقيق الاستفادة المثلى من الموارد الاقتصادية والثروات المحلية،والوصول إلى تحقيق التوازن في التنمية بين المحافظات ذات الموارد الكبيرة،وتلك التي تعاني من فقر في هذه الموارد. 3 الشرطة المحلية ،وضرورة التنبه إلى معالجة المخاوف التي قد يثيرها تحولها إلى مايشبه الميليشيا العسكرية التي قد تهدد أمن الوطن وسلامة المواطن،خاصة في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها دولتنا اليمنية الموحدة. 4 وأخيراً ،الحصة النسائية « أي تخصيص 15% للمرأة في البرلمان» ومدى دستوريتها، وتوافقها مع المبادئ الديمقراطية،وخصوصاً مبدأ المساواة. لقد عبرت شريحة واسعة من الرأي العام اليمني عن مشاعر متفاوتة إزاء بعض التغييرات المقترحة الناجمة عن تطبيق التعديلات الدستورية التي حملتها المبادرة الرئاسية،والواقع أن بعض تلك المخاوف مبرر وطبيعي ،وهو ناجم عن المخاوف الطبيعية على مصير دولة الوحدة اليمنية الوليدة وتماسك أطرافها،وعن حداثة التجربة الديمقراطية التعددية وعدم تأصلها فكراً وممارسة لدى قطاع واسع من أبناء مجتمعنا اليمني ،وكذا عن طبيعة العقائد والموروث الاجتماعي والثقافي السائد في أجزاء كبيرة من مجتمعنا اليمني. وفي المقابل فإن البعض الآخر من تلك المخاوف غير مبرر وغير مقبول ولا مشروع ،وربما نجم عن رفض التغيير وإصلاح النظام السياسي رغم ادعاء العكس الناتج عن التسرع وسوء الظن المتأصل لدى البعض ،وربما نجم عن عدم معرفة طبيعة التعديلات الدستورية التي طرحتها المبادرة الرئاسية،وحقيقة الدوافع والظروف التي أدت إلى طرح المبادرة برمتها،واستباق النتائج حتى قبل إقرار مشروع التعديلات المقترحة،وتناسى هؤلاء أن موافقة الشعب اليمني عبر الاستفتاء الشعبي على مشروع التعديلات يعد أرقى تعبير عن احترام الإرادة الشعبية بوصفها مصدر السيادة والشرعية السياسية والقانونية،وهي الأساس لإقرار أي تعديل دستوري يمس شكل النظام السياسي اليمني،وطبيعة العلاقات المتصورة بين السلطات الثلاث،مما استثناه الدستور بنص صريح وواضح. ربما انجرفت بنا الأفكار ،ودفعتنا في تناولة سابقة حد الاعتقاد ،وربما الجزم بأن المبادرة الرئاسية المتضمنة لعدد كبير من التعديلات الدستورية،ونظراً لأهمية ما حملته من تطورات سياسية وقانونية وإدارية،واجتماعية،قد خلقت حراكاً سياسياً واضحاً في مجتمعنا اليمني، واهتماماً شعبياً كبيراً،عبرت عنه سلسلة النقاشات الحرة بين مختلف الأطراف والقوى السياسية المختلفة،وأنها وسعت هامش النقد الديمقراطي الحر في أوساط مجتمعنا اليمني،.وجعلت المجال والفضاء السياسي اليمني يحتضن جدلاً ونقاشاً شعبياً وحزبياً واسعاً وصحياً حول مصير النظام السياسي ودولة الوحدة ومؤسساتها التمثيلية المختلفة ،وقد يكون لنا بعض الحق في ذلك الاعتقاد،إذا اقتصرنا في حديثنا على تتبع وملاحظة ردود الفعل المختلفة المعبر عنها من خلال الكتابات والتحليلات والتصريحات التي احتضنتها الصحف والمجلات المكتوبة والمواقع الالكترونية الحزبية بكافة ألوانها ومرجعياتها،والمستقلة بكافة أطيافها. لكننا نقر بأننا أخطأنا إذ افترضنا أن القضية باتت تحتل نفس القدر من الحساسية والأهمية عند كل ابناء الشعب اليمني،نظراً لحملات التوعية المركزة التي دشنتها العديد من صحفنا ووسائل إعلامنا اليمنية للتوعية بأهمية ما حملته المبادرة من نقاط ترتبط بالحد من أعباء الهم المعيشي،وبمعالجة مختلف مظاهر الاختلال التي رافقت مسيرة العمل السياسي ،وتسريع وتيرة التنمية في مجتمعنا اليمني على المستويين المركزي والمحلي. وكنا نتوقع أنه سيكون من الطبيعي أن يشهد مجتمعنا اليمني بكافة أطيافه السياسية ،وفئاته الاجتماعية باختلاف مستوياتهم الثقافية جدلاً ونقاشاً موضوعياً لبنود المبادرة الرئاسية بقصد اثرائها أو تصويبها والخروج «برؤية وطنية توافقية» حول المسار الذي سيأخذه نظامنا السياسي ومصير دولة الوحدة اليمنية،فالواقع الذي أفصحت عنه وقائع الندوات الفكرية التي احتضنتها العديد من الجامعات اليمنية وإن تفاوتت من جامعة لأخرى أن النقاش ظل محصوراً بين فئة محدودة من المختصين والمثقفين والباحثين،ممن ينتمون لأحزاب سياسية معينة لها مواقف ايجابية من المبادرة،أي من يفترض أصلاً معرفتهم بكل التفاصيل التي تضمنتها المبادرة ،بمعنى أوضح فقد بدا لنا كما لو كان النقاش حول المبادرة شأناً خاصاً،وربما نخبوياً إن جاز لنا التعبير لايهم شرائح كبيرة من أبناء المجتمع اليمني الذين شغلهم البحث عن القوت اليومي عن الاهتمام بقضايا السياسة وهمومها،وهذا الأمر عبر عنه بوضوح محدودية المهتمين بحضور ومتابعة تلك الندوات،والمشاركين في فعالياتها ونقاشاتها المفتوحة،وهذا الاستنتاج يقودنا إلى التفكير في تكثيف حملات التوعية وشمولها لقطاعات واسعة من أبناء الشعب اليمني. من جانب آخر،وبالرغم من المواقف السلبية التي عبرت عنها بعض القوى السياسية اليمنية من المبادرة ،وسوء ظن البعض منهم لاعتقادهم أن النقاشات الدائرة بخصوص النقاط الواردة فيها لن تغير من واقع أن بنود التعديلات الدستورية أصبحت جاهزة ومكتوبة،وهوالأمر الذي تكذبه الوقائع والشواهد التاريخية لتجارب سابقة مع نقاشات شعبية مماثلة،أقربها إلى الأذهان النقاشات التي احتضنها مجلس النواب في أكتوبر 2000م، بخصوص التعديلات الدستورية المقرة في الاستفتاء الشعبي سنة 2001م ،وهي النقاشات التي نجم عنها الأخذ بالكثير من الآراء القانونية الصائبة،وتعديل العديد من الفقرات قبل إنزالها إلى الاستفتاء الشعبي،الذي له وحده الكلمة الفصل في قبول أو رفض بنود التعديلات الدستورية. أقول :بالرغم من كل ذلك الحديث المكرر،ومحاولات الهروب المتكرر من أداء واجبات المسئولية الوطنية إلى قضايا خلافية هامشية،فإننا سنظل متفائلين، وسنعيد القول إننا مازلنا نأمل بمرور الأيام أن تتسع حلقات النقاش الوطني حول مشروع التعديلات لتشمل كافة القوى السياسية بمختلف اطيافها الحزبية والسياسية،في إطار ممارستها لمسئوليتها التاريخية والوطنية التي لاينفع معها الاكتفاء بإبداء بعض المواقف المتصلبة من تلك المبادرة دون خوض الحوار والنقاش العلمي والموضوعي حول بنودها،وحتى لاتفوت على نفسها وعلى وطننا هذه اللحظة التاريخية الهامة في تاريخ شعبنا ووطننا لرسم طريق المستقبل وتحديد المعالم الأساسية لممارسة السياسة بالسياسة وبالحوار العقلاني بعيداً عن لغة الصراع،وأن تترجم مقولة:«إن الوطن يتسع للجميع ،وإن اليمن بيتنا الكبير الذي يستحق أن نبنيه،وأن نحافظ على تماسكه ووحدته،حفاظاً على إرث أجيال الحاضر والمستقبل» على أرض الواقع،وهي التحولات التي سيكون من شأنها دون أدنى شك التأثير إيجاباً في مستقبل بناء دولة الوحدة اليمنية،وتقوية أواصرها وعراها بين أبناء الشعب اليمني. أستاذ العلوم السياسية المساعد جامعة إب