التسوّل سلوك مذموم، فهو ينزل بالإنسان إلى حضيض الذل، والسؤال يريق ماء وجه صاحبه، وهو عمل يندى له الجبين، ويعرَّض فاعله للاحتقار، ولذلك يزخر التراث الإنساني بالكثير من الدروس والحكم والأمثال التي تزدري كل من يمد يده بالسؤال، بل إن هذا التراث يحث على العمل والإنتاج، والخروج في الدروب لكسب العيش الحلال واللقمة الشريفة المغموسة كما يقول المثل بعرق الجبين.. إنك لتجد بعض المبررات لمن أعيتهم الحيلة بكفالة حياتهم أو من يعولون وقد سلكوا هذا الطريق، لكنك لا تجد مبرراً واحداً لشريحة من الناس أعطتهم الحياة ما يكفيهم عن مذلة السؤال؛ لكنهم لا يتورعون عن الانغماس في وحل هذا السلوك المذموم طمعاً في اكتناز المزيد من المال حتى وإن كان ثمن ذلك إهراق ماء وجوههم أمام سائليهم!. وتبدو هذه الظاهرة أكثر بروزاً مع الخواتم المباركة؛ حيث تتسابق هذه النماذج لدق أبواب الميسورين؛ مع أن حياة بعض من أولئك السائلين قد تكون أفضل حالاً من الميسورين أنفسهم «!» ولكنه الطبع الذي غلب التطبع، بل هو الاستمراء لحالة الذل والهوان التي يعيشها هؤلاء. ولا أنسى هنا الحكمة من إيتاء الزكاة عملاً بمضمون التكافل الاجتماعي في الإسلام الذي يحض على إخراج الزكاة للسائل والمحروم واليتامى وابن السبيل وغيرهم ممن شملهم القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة. ولكنني أردت أن أعرج على قلة لا تنطبق عليهم الآية القرآنية من قريب أو بعيد ممن اعتبروا التسوّل مهنة فدرجوا على إتيانها عن غير ذي حاجة، بل إن بعضهم ابتكر في تطوير أساليب «الشحاذة» طرقاً جديدة تصل حد النصب وعلى مدار العام!. وأتذكر بالمناسبة أنني قرأت في مثل هذه الأيام من العام المنصرم عن بعض الوجاهات والشخصيات التي حصلت على جوازات سفر دبلوماسية وذهبت إلى دول الجوار لدق أبواب مشائخها وحكامها والتذلل إليهم لتقديم المساعدة بما تيسر من الدراهم والقروش؛ غير آبهين بما يلحقه هذا السلوك من إساءة بالغة إلى بلدهم قبل أنفسهم وإلى الصفة الدبلوماسية التي يحملونها!!. ومع أنني قرأت عن تلك الفضيحة المخجلة إلا أنني لم أسمع عن الخارجية أو غيرها حتى الآن ما يفيد بأنها قد سحبت جوازاتهم أو أنها حاسبتهم على ما ارتكبوه من أعمال مشينة، أقلها تمريغ وجه البلاد والعباد في التراب. ومنذ أيام قرأت أيضاً قصة شبيهة بطريقة التسوّل السابقة؛ ولكنها «مودرن حبتين» وبإخراج وسيناريو جديدين خاصة وقد دخل على خط «التسوّل» حزب كبير يحث على التعفف والفضيلة ولكنه معروف بشملته التي يفترشها في المساجد لجمع فلوس الغلابة عقب كل صلاة، حيث أوعز لنفر من أصحابه مع الخواتم المباركة بإرسال عريضة إلى شخصيات كبيرة في دولة جارة وغنية لطلب المساعدة؛ مستبدلين كلمة «التسوّل» بعبارة تبدو أكثر تهذيباً ودبلوماسية وهي «اللجوء الإنساني». ولقد عرفت لاحقاً بأنهم لم يحصلوا على ما كانوا يتوقعونه، فعوضاً عن الحصول على الملايين من الأوراق التي تزغلل العيون تلقوا دعماً «إنسانياً» محدوداً اقتصر على الخراف من الماشية!!. وأختتم حديثي إلى القارئ العزيز بالنصيحة إلى أن الشحاذين والنصابين «المودرن» لم يعودوا يمارسون هوايتهم المفضلة هذه انطلاقاً من الأرض، بل باتوا يهرولون لجني ثمارها من الفضاء.. ولذلك عليك الحذر، فلا تصدق أم العيال إذا ما حاولت إقناعك بالمشاركة عبر الهاتف في أحد برامج المسابقات الفضائية للحصول على الجائزة الكبرى.. لأنك لن تحصد سوى الخسارة الكبرى!!.