من باب الحديث بالنعمة أشكر الله أن دعاني للعمرة لأعيش أيام العتق من النار في جواره الذي لا يضام. ومع التفريط بالساعات المباركات من دون خشوع أو حضور قلب فإني أجد برد العزاء في أن الله سيشمل الحاضرين بعفوه وغفرانه، فالله لا يدعوك إلا ليكرمك، ورحمته تسع الجميع، وهو سبحانه يهب المسيء للمحسن، فله الحمد والمنّة تعالى. عدة ملاحظات يتقدمها شكر لسفارة المملكة السعودية الشقيقة التي منحت كالعادة تأشيرة العمرة لكثير من أساتذة جامعة صنعاء، مقدّرين الجهد الممتاز لأمير الرحلة الدكتور/طه الطاهري الذي رابط صباح مساء في باب السفارة الشقيقة، مدعوماً بجهد الأخ الدكتور رئيس جامعة صنعاء/خالد طميم، والدكتور/عبدالله المقالح، رئيس النقابة السابق، ثم الجهد المتميز للأخ الدكتور/أبوبكر القربي، وزير الخارجية، ولكل من دعا الله في الليالي الكريمة بتعجيل التأشيرة. علماً بأن أساتذة الجامعة لا يتجاوز طموحهم حج بيت الله الحرام، اعتماراً وزيارة لأشرف الخلق الذي جاء بدين الإسلام عليه الصلاة والسلام. الملاحظة الأولى أن الزملاء توزعوا في ثلاث حافلات، ورغم محاولة «أمراء» هذه الحافلات تنظيم السير، فإن بعض الصعوبات ظهرت؛ لأن طباع اليمنيين تقريباً تحتاج إلى ترويض مستمر لا يتسع له وقت الرحلة من فجر الخميس حتى مساء الجمعة «عصراً». أما سائق الرحلة فلكثرة أسفار الشركة فإنه كانت تأخذه نعسات كادت تودي بنا في جبال حجة. وخرجت بنتيجة الملاحظة الأولى وهي أن «البهرار» ضرورة، والحزم والأخذ بالشدة أكثر ضرورة لتكون الديمقراطية ذات تأثير وفعل، فلقد بدا أن لكل راكب قراراً حاسماً ورأياً مخالفاً. وعندما يحين سؤال عن مناسك العمرة، تتقافز الفتاوى، ويشعر المرء أنه بحاجة إلى اليمين ليؤكد فتواه، والفتاوى على مستوى العالم الإسلامي لم تعد اختصاصية، وإنما هي مشاع للجميع دون منازع عملاً بمقولة: «هم رجال ونحن رجال». الملاحظة الثانية أكثر ضراوة وألماً وفتنة، فأنت ترى هذه الجموع «أربعة ملايين في ليلة القدر في الحرم الشريف» لتجد القاسم المشترك هو عدم وجود من يقودهم إلى الحقيقة، حقيقة أنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم أغنى في ثرواتهم من غيرهم، وأن تراثهم المعرفي فتح للعالمين طرق التحكم بسنن الكون، سماوات وأراضين. ترى هذه الملايين موحدة الركوع والسجود والتكبير والتسليم، فيقفز إلى الذهن حديث «غثاء السيل»!! القاسم المشترك هو الفقر المهين، مع أن هذه الأمة لها ثروات ثلثي العالم، ثم الذل المريع مع أن كتابها يدعو إلى العزة والحرية، ثم الفرقة والخصام مع أنها مخاطبة بدين الوحدة والمحبة والتسامح، القاسم المشترك بين هذه الملايين هو أنها فرّت إلى الله بعد أن ضاقت بها الأحوال واستبدت بها الكرب وعمّتها البلوى، علّ الله وهو العائل الرحيم ينقذها من هوانها وبؤسها وذلها ويُصلح العلاقة بينه وبينها، فلا مهرب من مشكلات الدنيا والآخرة إلا إليه.. ولنا غداً لقاء.