لقد كشف يوم الأديب والكاتب اليمني الذي عُقد مؤخراً في عدن عن الضعف الذي يعانيه اتحاد الأدباء والكتّاب، وخلق لدى المنتسبين إليه شعوراً جديداً بالحاجة الملحة إلى التغيير.. خاصة بعد أن استبشر الكثيرون من عقد هذا المهرجان في مدينة عدن الذي اعتقد البعض أن قيادة الاتحاد قد أدركت خطورة ما يجري في بعض المناطق الجنوبية فأرادت أن تزيل الكثير من المفاهيم الخاطئة التي استقرت في رؤوس البعض. لم يعد موقف المثقف واضحاً من قضية الوحدة والتآمر عليها، ولم نسمع رأي الاتحاد فيما يجري حوله من مسيرات واعتصامات تهدد مسيرة الوحدة التي ناضل من أجلها الآباء المؤسسون لهذا الاتحاد. كان بإمكان الاتحاد أن يحول الوطن كله إلى ورشة ثقافية؛ خاصة وأنه يمتلك فروعاً في أغلب المحافظات، ويمتلك ميزانية شهرية ومساعدات تقدّر بعشرات الملايين. كان يمكن للاتحاد أن يتبنى قضية الإصلاحات السياسية التي تبناها فخامة رئىس الجمهورية ويعمل على تجذيرها في وعي المجتمع لتصبح جزءاً من الثقافة، خاصة وأن الثقافة تتجه إلى عقل المواطن ووعيه وفكره وتؤثر على موقفه ورأيه تجاه هذه الإصلاحات، بهدف إيجاد مناخ فكري يساعد على اتساعة ثقافة الإصلاح وتحصين المجتمع من الفكر الانفصالي الذي يشيع ثقافة التشكيك والإحباط. كم نحن بحاجة إلى اتحاد يجعل أعضاءه يتوثبون للتقدم علماً، وللإبداع فنا وأدباً.. يدركون نقائصهم في غير يأس، ويرصدون آمالهم في غير مبالغة، ينتقدون أوجه القصور بغير تذمر، ويرفضون ما لا يقبلون بغير تدمير.. تسمو قيمهم الثقافية وتشع نوراً في سلوكهم. لقد غاب المثقف والثقافة، ووجدنا أنفسنا أمام اتحاد للأدباء شرطه الأساسي للعضوية بعض النصوص الشعرية والقصصية، مما جعل الكتّاب والمفكرين غائبين عن المشهد الثقافي، وغاب معهم المشروع الثقافي الذي يعطي الثقافة دافعاً للحركة واتجاهاً تسير عليه. أظن هذا يكفي للقول بأننا نعيش في إطار اتحاد توجهه أيديولوجيا تستهلك طاقتها في إعادة إنتاج ذاتها ومنغلقة ضد التحولات. إن الاتحاد في الوقت الراهن يفتقر إلى الكاتب المفكر الذي هو رائد الدعوة إلى التغيير، والذي يضع سلطته الخاصة في مقابل السلطة العامة، وهو يعول في ذلك على تغيير الوعي لدى الناس. ما دفعني لكتابة هذه السطور هو أنني وجدت نفسي أمام خطاب مغلق شوفيني أطلّ علينا بوجهه الكالح من هنا وهناك في الساحة اليمنية، محاولاً التخفي، ونحن في الألفية الثالثة، وراء شعارات ضيقة عفا عليها الزمن، وتجاوزها قطار العولمة، تاركاً أنصارها واقفين في محطة الحنين إلى الماضي والتغني بمحاسن أيديولوجية أدركها الذبول وأصابها الخسوف. لقد تحول الاتحاد إلى كتلة ساكنة يتشكل من مجموعة من النصوصيين بعد أن كان قد تكون من مجموعة من الشعراء والكتّاب والمفكرين الذين قدّموا أنفسهم وسط الخنادق في إطار وحدة نضالية اتخذت من الكلمة طريقاً لها. لقد خفت صوت المثقف ليصدع صوت النص، وانكمش الفكر، وتراجعت الإرادة. وأود أن أشير هنا إلى مسئولية المثقفين الذين لم يوظفوا طاقاتهم العقلية في بناء صرح ثقافي وحضاري يحول دون الانحدار الذي وصلنا إليه اليوم ودخول المثقفين فيما بينهم في صراعات تعكس الخواء الفكري. وقد تحول البعض من أعضاء الاتحاد إلى مجرد مروجي أدوات سحرية تخرج البلد مما هو فيه.. وأصبح هؤلاء يناقشون الوضع إما من منطلق الموالاة أو المعاداة. وقد نتج عن هذا الصراع الخطير انقطاع مطلق عن التراكم المعرفي الذي كان قد قام به المؤسسون الأوائل، ليحل محلهم من لا يهمه سوى كم يكسب في كل مؤتمر أو مهرجان. كما أصبح لا يمنح العضوية إلا بعد أن يتظاهر المتقدمون للحصول على العضوية، بل إن فرع عدن لم يمنح العضوية لأستاذ في جامعة عدن لأنه من محافظة أخرى؟!. وتظهر المأساة أكبر حينما نقرأ خطاب الآباء المؤسسين وعمقه الفكري والمعرفي، ونقارنه بهزالة وسطحية ما هو سائد اليوم. ومن لا ينتج معرفة بالمجتمع لا يستطيع المساهمة في تغييره، بل إنه أيضاً يفقد قدرته على الفهم والتشخيص. ننتظر من الاتحاد أن يعمل مهرجانات في مختلف أنحاء الجمهورية لمواجهة أفكار الردة والتخريب وتزييف الحقائق، فهل يفعل؟!.