طالما والعالم يعيش ثورة المعلومات، وعصر القرية الكونية، فإن الصراع البشري حتماً سيصطبغ بثقافة زمانه، ويتحول إلى أدوات عصره، فيواجه بعضه البعض الكترونياً، ومعرفياً، والبقاء للأذكى وليس الأقوى! في اليمن، اجتاحنا مؤخراً هوس العالم الالكتروني، وشهدت الأشهر الماضية من العام الجاري سباقاً محموماً لتسجيل الحضور على شبكة الانترنت، تمخض عن ولادة عشرات المواقع الالكترونية التي مازالت معظمها تائهة وسط هذا العالم المترامي النهايات.. فيما مؤشرات الصراع تؤكد أننا دخلنا مواجهة بدون سلاح! في الثقافة الأمنية الجديدة للدول، لم تعد الحكومات تكتفي بأجهزتها الأمنية والعسكرية والتقليدية، لأن عصر المعلومة والقرية الكونية فرض عليها خوض مواجهات الشبكة العنكبوتية سواء في صراع الحضارات أو حرب الإشاعة، أو سباق تعبئة الرأي العام.. لكن بالنسبة لنا مازلنا نزج بقواتنا الالكترونية إلى قلب الصراع دون أن نحسب مقومات صعودها، أو كيف سنحميها من «الإبادة»! خلال الشهرين الماضيين دارت خلف الكواليس رحى معركة حامية الوطيس بين شركات استضافة مواقع يمنية وبين قراصنة إنترنت «هاكرز» من بلدان خليجية، الذين هاجموا عدداً من المواقع الاخبارية والمنتديات اليمنية، وسعوا إلى تدميرها.. وكانت النتيجة أن كسبوا المعركة بتدمير موقع اخباري نهائياً، وتدمير شبه كلي لموقع شبابي، ومنتدى، فيما تعرض موقع أخباري شهير إلى أضرار جزئية، لكن الجميع فضل التكتم على الهزيمة.. رغم أن الشركات المستهدفة نجحت في الأخير بتعزيز سواتر الحماية الالكترونية، ووقف المزيد من الخسائر!! وبحسب القائمين على تلك الركات، فإن القراصنة كانوا «هواة» وليسوا محترفين جداً.. فكيف الحال لو داهم عالمنا الالكتروني قراصنة محترفون!؟ وهنا يكمن موضع القلق، لأننا في الآونة الأخيرة استطعنا فرض أنفسنا، وأخبارنا، وثقافتنا وترويجنا على العالم عبر شبكات الانترنت.. وبات كل مايحدث في اليمن ينقله الآخرون في غضون دقائق - الأمر الذي يعني أن أي استهداف احترافي لعالمنا الالكتروني بوسعه إسكات أصواتنا، وعزلنا عن الخارج مادمنا نفتقر إلى أساليب الحماية الأمنية المتقدمة، وإلى خبرات وطنية يمكن الاستنجاد بها وقت اللزوم، تعمل باسلوب قوات التدخل السريع. قد لايعلم كثيرون أن الحرب الالكترونية باتت جبهة تلازم كل الحروب التقليدية التي تخوضها دول العالم، حيث إن الحرب النفسية الملازمة لكل المعارك تنتقل إلى الانترنت، فيما تتولى فرق محترفة من القراصنة «الرسميين» محاولات اختراق مواقع الخصم الالكترونية وتدميرها، أو التسبب ببعض الأعطال المعيقة لوظيفتها.. وأحياناً كثيرة يقوم بهذه المهمة مواطنون عاديون متحمسون للمشاركة في المواجهة التي تخوضها بلادهم. ففي عالم الانترنت لايوجد شيء اسمه مستحيل، مادام الأمر لعبة ذكاء.. لذلك أجرت الولاياتالمتحدة تجربة على نفسها، فاستعانت بموظفين ماهرين في «مايكروسوفت» وطلبت منهم محاولة اختراق شبكاتها الالكترونية.. وبعد عدة أيام من العمل نجح الموظفون في الوصول إلى قلب البنتاغون، وكذلك الوصول إلى قاعدة تحكم حاملة طائرات أمريكية في المحيط الأطلسي.. فكانت هذه المفاجآت كفيلة بدفع البنتاغون إلى التعاقد مع أمهرخبراء شركة «مايكروسوفت» لبناء شبكات الحماية، ووضع البرامج الكفيلة بدحر أي هجوم أو أي محاولة إختراق. أعتقد أن الأمر يستحق التفكير، والبحث من الجهات المعنية في احتضان المبدعين في هذا المجال وتبني تنمية خبراتهم في الخارج، والاستفادة منهم في حماية الأمن الالكتروني.