المشهد العربي هذه الأيام لا يحسدنا عليه عدو ولا صديق، مشهد لم يعشه المواطن العربي من قبل، سمته التفكك والتشرذم والابتعاد عن قضايانا المصيرية التي أصبحت تتهدد الكيان العربي الذي هو أصلاً كيان ضعيف وهزيل لا يقوى على مواجهة التحديات بحدودها الأدنى؛ كل دولة عربية أصبحت مشغولة بهمومها الذاتية وعلى حساب الهموم القومية التي تهم كل دولة وكل بلد عربي. وأصبحت كل دولة عربية تتخلى وبإصرار عن مسئولياتها القومية، والكثير منها ترفع شعارات الأنا، وهذه ظاهرة خطيرة قد تدخل العرب في أزمة لا يستطيعون الخروج منها، وستزيد عليهم ضعفاً أشد مما هم فيه من ضعف. وما نخشاه هو أن يتعاظم الإحباط لدى المواطن العربي، حيث إن المواطن العربي في شرق الوطن ومغربه يعيش حالة من الحيرة والألم للأوضاع المأساوية والضبابية التي أصبحت تظلل سماء الوطن العربي الكبير، فروح الانتماء لهذه الأمة وهذا الوطن الكبير أصبح يتضاءل في ظل هذه الأوضاع التي يرفضها؛ لكنها فرضت عليه رغبة في التحقيق والفوز بالمصالح الشخصية والضيقة لمن يريدون لهذه الأمة الضعف والانكفاء والتراجع إلى الخلف بعد أن كانت هذه الأمة حية وقوية مستمرة، هذه القوة والزهو والشعور بالفخر والانتماء للتاريخ والحضارة التي تميزت بها عن غيرها من أمم الأرض، حيث كان العرب هم صناع الحضارة والتاريخ، حين كانوا حكاماً ومحكومين يشعرون بالعزة والانتماء، كانوا قوة هزمت امبرطوريات ودولاً عظمى لا تغرب عنها الشمس استمدوا كل ذلك من وحدة الموقف والكلمة وشعورهم بأن الكل لا يكون قوياً إلا بالجزء والعكس صحيح. وقد أصبح مثل هذا الشعور يتوارى شيئاً فشيئاً، ونتيجته هو هذا الضعف والشعور بالانهزام، وهذا هو ما يريده أعداء العرب وفي مقدمتهم إسرائيل ومن يقف خلفها داعماً ومسانداً والذين يريدون أن تبقى إسرائيل هي القوة المطلقة والوحيدة في منطقة الشرق الأوسط ليحققوا من خلالها أهدافهم ومصالحهم المتمثلة في ابتزاز ونهب ثروات الوطن العربي والتي تعود في الأخير بشكل مساعدات ودعم لاسرائيل، فما نشاهده اليوم في العراق والسودان ولبنان والصومال من حروب وتهديد وترويع وتوعد من قبل قوى الاستكبار العالمي ليس إلا دليلاً على أن العرب في ظل أوضاعهم المأساوية الآن لا يستطيعون فعل شيء يحفظ كرامتهم وثرواتهم ومستقبل أجيالهم، ولذا فإن الأعداء يسرحون ويمرحون على امتداد الساحة العربية فقضايانا الداخلية لم نستطع أن نضع الحلول لها، وأصبحنا نستنجد بالآخرين من وراء البحار والمحيطات، وهذا يدلل على أن الثقة أصبحت منزوعة بيننا مما جعل الآخرين يستفردون بنا دولة بعد أخرى. ولا ندري إلى متى سيظل حال أمتنا هكذا، وإلى متى سيظل هذا السبات الطويل بالرغم من الأعاصير والأمواج التي أصبحت تحيط بهذا الوطن الكبير؟!.. حينها لا يستطيع أحد منا أن يقوى بنفسه منفرداً أمام كل هذه الأعاصير والأمواج، وعلى العرب أن يستفيدوا من الأمم الأخرى والتي رغم أنها لا يجمعها ما يجمع العرب إلا أنها جعلت من مصالحها الاقتصادية والثقافية سبيلاً إلى وحدتها السياسية حتى بلغت ما بلغته من شأن عظيم في مختلف جوانب الحياة.. فهل لنا أن نستشعر المسئولية القومية، وأن نبتعد عن الأنانية وضيق الأفق خدمة لأهدافنا ومصالحنا الكبيرة؟!.