كما هو الحال مع الجمعيات الخيرية أرقام بمئات آلاف العوائل المستحقة يتم الإعلان عنها قبل كل عيد أضحى.. وأرقام بملايين الريالات تعلن بعد العيد لتكاليف أضاحي العيد التي تم توزيعها.. ويومها سيكون الجوعى قد عادوا إلى جوعهم.. لسنا وحدنا في العالم الإسلامي من لديه فقراء، وأيتام، وعجزة مسنون، بل أينما تذهب من العالم ستجد من يمد يده إليك طالباً الصدقة.. لكن الفرق بيننا وبين دول أوروبا وأمريكا وبعض آسيا هو أن المؤسسات الخيرية لدينا استهلاكية، بينما مؤسساتهم إنتاجية بمعنى آخر أننا نجمع الأموال لنتخم بها بطون الفقراء أيام عيد الأضحى ثم ننساهم بقية أيام السنة، بينما الآخرون يجمعون الأموال ليؤسسوا المشاغل ومعاهد التدريب المهني للفقراء فيحولونهم إلى طاقة إنتاجية بدلاً من بقائهم عالة على أهل البر والإحسان. في وضعنا الفقراء سيزدادون كل عام لأننا نريد مواصلة التزايد ليتحولوا إلى أرقام مهولة نستدر بها عطف الآخرين وصدقاتهم، لذلك تحرص أغلب الجمعيات الخيرية على توثيق أيام توزيع لحوم الأضاحي بالفيديو، والصور الفوتوغرافية، وعلى المواقع الالكترونية، وتحرص أيضاً على التجوال بها على دول إسلامية مختلفة من أجل كسب الثقة، وزيادة المساعدات المالية المقدمة.. لذلك مازالت معظم الجمعيات الخيرية ترفض استثمار أموال الصدقات في فتح المشاغل ومعاهد التدريب، لئلا يقل الفقراء فتقل الموارد. وللأسف الشديد لم يكتف البعض باستثمار الفقراء والمحتاجين لجني الثروات الخاصة، بل ان هناك جمعيات توزع لحوم الأضاحي، أو كسوة العيد على أساس الانتماءات الحزبية.. ولديها كشوف معدة مسبقاً لأولئك المستحقين على الخلفية الحزبية.. وهو لون جديد من التمييز العنصري الذي يذهب بالصدقات لغير وجه الله تعالى.. لكن في نفس الوقت هناك جمعيات مخلصة لله تعمل بكل نزاهة وأمانة إلا أنها تفتقر للكثير من الامكانيات المادية التي قد تساعدها لتطوير أدائها. ومع أننا بلد فيه من الفقراء مافيه إلا أنني أذكر الجمعيات الخيرية بأن هذا البلد يحتضن عشرات آلاف الأسر الصومالية والحبشية النازحة بسبب ويلات الحروب.. وهم اليوم ضيوف اليمن، ويعانون معاناة شديدة ، فمن يحب أن يعمل لوجه الله فليتذكرهم ويتصدق عليهم بلحوم الأضاحي أو بالكسوة أو بما شاء.. فهم ماقصدوا اليمن إلا لثقتهم بأن أهلها كرماء، وأصحاب نخوة وشهامة..! وأملنا كبير بجمعيتي الصالح، والإصلاح الخيرية بأن تخصص لهم جزءاً من صدقاتها. يبدو لي أن غياب الضوابط المتشددة لإنشاء الجمعيات فسح المجال للكثير من الانتهازيين لاغتنام الفرصة والتطفل على العمل الخيري، ثم التحول إلى مصدر شبهة رئيسية لبقية الجمعيات الفاعلة في المجتمع.. ورغم أننا كنا نظن أن هذه الكيانات المتطفلة ستذوب بمرور الزمن وتتلاشى لكنها للأسف استمرت في العمل لأنها وجدت بين التجار أو أحياناً بعض القوى السياسية من يدعمها، ويكفل لها أسباب البقاء.. وهنا تقع المسئولية على هذه الجهات لتوجيه صدقاتها نحو الوجهة السليمة التي تضمن وصول الخير إلى أهله. ومهما كانت الأحوال فإننا عندما نتأمل في ساحة العمل الخيري في بلادنا نشعر ببعض الراحة لأن روح التعاون والتكافل مازالت تسود مجتمعنا وتبعث الأمل في المستقبل بأننا قادرون على توجيه هذه الأعمال الخيرية إلى السبيل الإنتاجي الذي يستهدف بالدرجة الأولى رفع تأهيل الفقراء واليتامى وتدريبهم، وادماجهم مهنياً في المشاغل والمصانع الإنتاجية ليعتمدوا على أنفسهم، وتتقلص معدلات الفقر في المجتمع.. فليس هناك صدقة أعظم من أن تعلمني كيف أكسب قوتي الحلال من كدّ يدي!!