من اغتيال الشخصيات الوطنية إلى قطع الطرق واختطاف الأجانب،انتقل «الإسلاميون» في اليمن مع إطلالة الألفية الثالثة إلى ضرب الناقلات النفطية في عرض البحر،ليعنونوا بذلك نهجهم الجديد في العمل «الجهادي» ،والذي يعد النهج الأخطر في تاريخ الإرهاب. لم يأت هذا التحول اعتباطاً،أو بوحي الصدفة التي اقترنت بحادث تفجير المدمرة «كول» الأمريكية،أو ناقلة النفط الفرنسية «ليمبرج» وإنما كان قائماً على حسابات «ذكية» تحمل عدة غايات:الأولى باعتبار النفط هو الشريان الحيوي لاقتصاديات معظم دول العالم،وبالتالي فهو التكلفة الأعظم التي قد تدفعها الدولة في حالة عدم الرضوخ لمطالب الحركات الاسلامية..والثانية باعتبار أن أي ضرر يلحق بالمنشآت النفطية لأي دولة ينعكس سلباً أيضاً على أسعار السوق العالمية للنفط،ويؤدي إلى ارتفاعها،الأمر الذي سيحدث صدى إعلامياً واسعاً جداً بما يولد دعماً معنوياً لهذه التيارات «الجهادية»..والثالثة باعتبار أن إضعاف إمكانيات الدولة المادية هو في نفس الوقت إضعاف لقدراتها على مواجهة الإرهاب،ودفعها إلى مهادنته أو التفاوض معه!! ومع أن هذا النشاط «الجهادي» ظل مرتبطاً في أذهان المراقبين السياسيين والأمنيين بسياق أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما أشيع في حينها تحت مسمى الحرب الدولية على الإرهاب، ونظر الجميع إلى هجومي «كول» و«ليمبرج» على أنهما مختصان بالحس المعادي للولايات المتحدة،إلا أن الأحداث التي شهدها العام والنصف الماضيان في اليمن أكدت أن النفط دخل قاموس الحسابات الداخلية للإسلاميين في اليمن وطبيعة صراعهم مع السلطة. فخلال الحملات الانتخابية لرئاسة الجمهورية بدأ الإسلاميون الترويج لموضوع استخدام النفط كسلاح ضد السلطة ،وتبنى المرشح «الإصلاحي» فتحي العزب قيادة الحملة وحث أبناء المحافظات النفطية لمطالبة الدولة بتقسيم الثروات عليهم،كما طرح وعوداً بتخفيض سعر النفط العالمي،ولم يمض على ذلك سوى أقل من شهر حتى حدثت عمليتان انتحاريتان ضد منشآت نفطية في مأربوشبوة!! وبعد الإعلان عن فوز الرئيس علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية تحول نشاط الإسلاميين إلى مابين قطع الطرق واختطاف الناقلات النفطية،واحتجاز خبراء،ومابين التأليب المباشر للعاملين في الشركات النفطية على تنفيذ الاعتصامات والاضرابات،ووصل الأمر إلى افتعال قضية إهانة المصحف الشريف من قبل أحد الخبراء الأجانب بقصد استنفار الغيرة الإسلامية لدى عامة الناس ودفعهم إلى أعمال انتقامية ضد الخبراء الأجانب. وخلال أحداث المحافظات الجنوبية الأخيرة تم تصعيد التحريض العلني على المنشآت النفطية تحت مسمى المطالبة بحصص من البترول وبدأ الإسلاميون يترجمون شعاراتهم عملياً،تارة بقيام أحد عناصرهم بإطلاق الرصاص على خبراء مشروع الغاز بشبوة وقتلهم،وتارة أخرى بإعلان انسحابات جماعية من المجالس المحلية مشترطين التفاوض مع وزير النفط حسب إعلان محلي شبوة وتارة ثالثة بقيام عناصر من قبيلة «آل الزايدي» وشيخها مسئول في حزب الاصلاح بتفجير أنبوب نفط مأرب ،والتي جاءت الحادثة بعد أسبوع واحد فقط من خطاب رئيس فرع الإصلاح بحضرموت محسن باصرة يحرض فيه على النفط ويتهم مسئولي الدولة بسرقة عائداته،ويدعو لتقاسمها!! لكن خلال الأيام القليلة الماضية بادر الإسلاميون إلى تبني جمع توقيعات «مليونية» تطالب السلطة بتوزيع عائدات النفط على أبناء المحافظة التي يتم اكتشافه فيها،وقد تمت مباشرة الحملة من حضرموت..ولأن هؤلاء «الإسلاميين» متأكدون تماماً أن هذا المطلب مستحيل سواء من الناحية الدستورية التي تعتبر هذه الموارد ملكاً عاماً للشعب كله وليس لمحافظة بعينها،أو من حيث الناحية العملية لوجود محافظات قاحلة من أي موارد طبيعية،وتعتمد الدولة على إيرادات النفط في تنميتها وتقديم الخدمات لابنائها فإنهم يرسمون إلى مابعد تقديم التواقيع إلى الجهات الرسمية.. الاسلاميون يترقبون اللحظة التي سيبلغون بها الناس بأن الدولة رفضت مطالبهم،وحينها ستجدهم ينسحبون من اللعبة بكل هدوء ،وبلسان فصيح تاركين للقبائل المسلحة حرية التعبير عن ردود فعلهم إزاء الرفض..والتي ستكون في كل الأحوال تخريبية،ربما تصل إلى محاولة اقتحام المنشآت النفطية وبسط الأيادي على مواقع العمل فيها تحت تهديد السلاح والعنف ..وبذلك يلحقون باليمن أضراراً قد تفوق ماتكبدته جراء مهاجمة «كول» و«ليمبرج»! والسؤال الذي أود طرحه من كل ماسبق هو: هل ستبقى الدولة اليمنية تعمل على قاعدة «ماولدسميناه» كما جرت العادة أم ستبادر إلى وضع حدٍ لهذا العبث التآمري الذي يلعب على حبال فتنة انفصال حضرموت تارة بلغة الجغرافيا وأخرى بلغة النفط والهدف الأخير خراب اليمن!؟