هل ستسفر تلويحات الكيان الصهيوني برغبة ما في السلام عن نتائج؟ وهل يمكن لإدارة بوش المتأهبة للمغادرة خلال عام من هذا اليوم أن تقدم شيئاً يذكر على درب إعادة الحق لأصحابه؟ هذه الأسئلة وغيرها تجرنا إلى استعادة وامضة للمبادرة العربية التي أظهرت قبل سنة من اليوم آفاقاً سياسية جديدة باتجاه تفعيلها، والمبادرة لم تكن جديدة، فقد أقرت في القمة السابقة لقمة الرياض، غير أنها توفّرت في قمة الرياض على زخم تضامني عربي استثنائي لم نجد له نظيراً منذ سنوات خلت، ويبدو أن القادة العرب عقدوا العزم هذه المرة على توحيد الجهود، والاتفاق على الحد الأدنى من الممكن السياسي الذي يتناسب مع ميزان القوى الواقعي على الأرض، وبهذا المعنى يتمّ التخلّي وللمرة الأولى عن حسابات العاطفة والتشنج، وتستبدل بحسابات الواقع الحقيقي الذي يقول: إن السلام يأتي في نهاية المطاف لمصلحة العرب، وإن العمق الكياني والجغرافي والديمغرافي والتاريخي للأمة هو فرس الرهان في الصراع المفتوح على آفاق جديدة. وبالطبع ستنبري مشكلات عديدة على درب تنفيذ المبادرة، وهذا على افتراض قبول “إسرائيل” بها، وانخراط المجتمع الدولي في دعمها، لكن إشارات صدرت من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الأطراف السياسية “الإسرائيلية” تؤشر إلى جولة ماراثون مفاوضات عسيرة قد تنبثق من وراء ركام الخرائب ومآسي الاجتياحات “الإسرائيلية”، والعجز العربي الظاهر. والشاهد أن أقصى ما يمكن أن تفعله الأنظمة العربية يتمثّل في الضغط السياسي المقرون بالمصالح الفعلية للقوى الدولية في الساحة العربية..المبادرة تعبير عن نضج في العقل السياسي العربي، فالسياسة هي فن الممكن لا المستحيل، والمستقبل لم يعد يعترف بالمفاهيم التقليدية للقوة والسيادة، بل بقوة العلم وسيادة النمو، والقدرة على المشاركة. ليس من طريق أمام العرب إلا الخوض في بحر العلم والنمو وتفعيل المشاركة الحيوية للمواطنين. علينا أن نستقي قوتنا الحقيقية من ذات المفردات التي جعلت من “إسرائيل” كياناً مُتفوقاً بالمعاني العلمية والتكنولوجية والاقتصادية، بالرغم من كونها دولة سقطت بالباراشوت، هابطة من علياء الأسطورة، وتمترست على الأرض كيما تقدم نموذجاً مغايراً لما نحن عليه. لقد كشفت دولة الاسطورة والاغتصاب عورة النظام العربي، وحسناً فعلت، لأننا بحاجة إلى ستر عوراتنا، والتخلي عن مألوف عاداتنا السياسية والمجتمعية، ولن ننال هذه المثابة إلا بالولوج إلى عالم الصراع بأدوات الصراع الحقيقية لا تكديس الأسلحة. لن ننال فرصة حقيقية للسلام إلا إذا عرف العدو أنه أمام خصم قادر مقتدر ولو بالحد الأدنى من التضامن والموقف المشترك، فلقد آن الأوان لأن تخرج المبادرات السياسية من دائرة البيانات المسطورة إلى فضاء التفعيل والأخذ بأسباب قوتها المعنوية والمادية، خاصة أنها مواقف تنتظم في أساس الشرعية الدولية، ويمكنها مخاطبة العقل والضمير الجمعي العالمي بما يتناسب مع الحق والحقيقة.