تلوح آفاق سياسية جديدة باتجاه تفعيل المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط، والمبادرة ليست جديدة، فقد أُقرت في القمة السابقة على قمة الرياض، غير أنها توفّرت في قمة الرياض على زخم تضامني عربي استثنائي لم نجد له نظيراً منذ سنوات خلت، ويبدو أن القادة العرب عقدوا العزم هذه المرة على توحيد الجهود، والاتفاق على الحد الأدنى من الممكن السياسي الذي يتناسب مع ميزان القوى الواقعي على الأرض، وبهذا المعنى يتمّ التخلّي وللمرة الأُولى عن حسبات العاطفة والتشنج، وتستبدل بحسابات الواقع الحقيقي الذي يقول: إن السلام يأتي في نهاية المطاف لصالح العرب، وإن العمق الكياني والجغرافي والديمغرافي والتاريخي للأُمة هو فرس الرهان في الصراع المفتوح على آفاق جديدة. وبالطبع ستنبري مشاكل عديدة على درب تنفيذ المبادرة، وهذا على افتراض قبول اسرائيل به، وانخراط المجتمع الدولي في دعمها، لكن إشارات صدرت من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبعض الأطراف السياسية الاسرائيلية تؤشر إلى جولة ماراثون مفاوضات عسيرة قد تنبثق من وراء ركام الخرائب ومآسي الاجتياحات الاسرائيلية، والعجز العربي الظاهر، والشاهد أن أقصى ما يمكن أن تفعله الأنظمة العربية يتمثّل في الضغط السياسي المقرون بالمصالح الفعلية للقوى الدولية في الساحة العربية. المبادرة ترجمة أمينة لحكمة الدبلوماسية السعودية، وهي في أُفق القبول الجماعي العربي في القمة الأخيرة تعبير آخر عن نضج في العقل السياسي العربي، فالسياسة هي فن الممكن لا المستحيل، والمستقبل لم يعد يعترف بالمفاهيم التقليدية للقوة والسيادة، بل بقوة العلم وسيادة النمو، والقدرة على المشاركة. ليس من طريق أمام العرب إلا الخوض في بحر العلم والنمو وتفعيل المشاركة الحيوية للمواطنين. علينا أن نستقي قوتنا الحقيقية من ذات المفردات التي جعلت من اسرائيل كياناً مُتفوقاً بالمعاني العلمية والتكنولوجية والاقتصادية، بالرغم من كونها دولة سقطت بالباراشوت، هابطة من علياء الأُسطورة، وتمترست على الأرض كيما تقدم نموذجاً مغايراً لما نحن عليه. لقد كشفت دولة الأسطورة والاغتصاب عورة النظام العربي، وحسناً فعلت، لأننا بحاجة إلى ستر عورتنا، والتخلي عن مألوف عاداتنا السياسية والمجتمعية، ولن ننال هذه المثابة إلا بالولوج إلى عالم الصراع بأدوات الصراع الحقيقية؛ لا تكديس الأسلحة. [email protected]