عندما يدور نقاش حول الفساد يتوق المرء إلى تلمس ومعرفة شكل هذا الفساد ومقارباته، كيف يكون، من هو الوسيط، ما نوع هذا الفساد؟!. كانت لي متابعة لإنجاز إحدى المعاملات، فتبدت لي بداية صورة للفساد وهي شكل الوسيط الذي يتجاوز دوره من تسهيل معاملة على طريقة «مقدم خدمة» إلى مبالغة في تقديم الخدمة كونه يستغل الروتين ويعمل على تهويل ما سيقوم به ويبالغ في المبلغ الذي سيقبضه مقابل هذه الخدمة، بل يصل الأمر إلى حد الإساءة واستغلال دوره ليقول إن المبالغ التي يأخذها تحت مبرر توزيعها على الأقسام والدوائر المعنية ويكون الشخص الذي يحتاج لخدماته أمام خيارين؛ إما القبول مضطراً وبالتالي تنعكس لديه النظرة السيئة لهذه المؤسسات التي صنعها في مخيلته ذلك الوسيط، وللأسف يبني موقفاً مسيئاً للكفاءات الوطنية، والخيار الثاني هو أن يرفض وعليه في هذه الحالة أن يتابع معاملاته في دوائر المؤسسة ولكن وبقدر ما هنالك من روتين قاتل وطويل إلا أنه وللحقيقة لا توجد أية حالة رشاوى أو عرقلة ولكنه التطويل في المعاملة. ولكم أن تتخيلوا معاملة تحتاج إلى «50» توقيعاً من تقديم الطلب إلى المرور عبر كل دوائر المؤسسة وهي «الكهرباء» استمارة وراء استمارة، وهذا المسئول موجود، وهذا خرج، وهذا في ساحة المبنى، وذاك في الدور الثالث.. ترى هل بمقدور كل مواطن الصبر وتضييع وقت قد يمتد من 7 10 أيام لأجل إنجاز معاملة تاركاً عمله أو دكانه، ونحن في زمن السرعة والعولمة وتقليص الروتين، من المسئول عن هذا التطويل في المعاملات؟!. ألا يوجد اختصار لهذه المعاملات والتي ومن واقع متابعتي لمعاملتي شعرت أنه بالإمكان اختصارها كونها عبارة عن طلب خدمة الكهرباء، وطالما توفرت الوثائق المؤيدة للطلب والنزول الذي يتم للتأكد تنتهي العملية بقبول تقديم الخدمة، وهي عملية مدفوعة القيمة ولا داعي لأن يقف المواطن ويتابع تواقيع كل مسئول، وهي كما قلت «50» توقيعاً وفي الأخير ينتهي الأمر بدفع الزبون إلى صندوق الكهرباء مبلغ ما بين 25 45 لف ريال بحسب حجم الكهرباء المتوقع استخدامها. ما خلصت إليه هو أن هذا الروتين الطويل والقاهر لابد من اختصاره ونحن في زمن الوقت فيه قيمة، وطالما أن هذه خدمة مدفوعة الأجر، وأن الاجراءات تخص المؤسسة فيفترض ألا يكون المواطن، الزبون مسؤولاً عن كل تلك المعاملات الطويلة. ترى هل لدى مؤسسات تقديم الخدمة طريقة عملية لتقديم الخدمة بواقعية توجز الروتين، أم أننا نولد الكهرباء بطرق متقدمة علمياً؛ بل إن وزارة الكهرباء تهتم بالطاقة النووية ومازالت تتبع نظاماً عثمانياً في المعاملات؟!. ماذا لو تمت خصخصة تقديم خدمة الكهرباء، كيف سيقدم القطاع الخاص خدمته، هل خدمة الكهرباء، ترف أم حاجة تنموية، هل تقديم خدمة الكهرباء مجانية حتى تطول المعاملة وكأنها هبة ينبغي التأكد لمن تمنح؟!. خلصت إلى حقيقة أننا ينبغي أن نكافح الفوضى والروتين الطويل، وأن تكون هناك شفافية حتى لا يستغل الوضع سماسرة الخدمات ويفرضون قيمة مبالغة على سعر الخدمات التي تساوي قيمة هذه الخدمة؛ بل الأدهى والأمر ادعاء أن هذه المبالغ توزع على المعنيين في المؤسسات وهم أبرياء، وهذا للإنصاف والحقيقة. إن الوصول إلى آلية عمل لتقديم الخدمة بشكل دقيق وسريع يغنينا عن السمسرة لتقديم الخدمة، ويبعد الشبهة والإساءة عن الموظف العام الذي للأمانة لم أر فيه إلا كل تفان وإسراع في إنجاز المعاملات وتفهم كبير لمساوئ إطالة المعاملات. تمنيت أن ينزل المسئولون في الكهرباء ويراجعوا «سراً» ويتأكدوا من حجم الروتين حتى يهتدوا إلى آلية أكثر عملية وحتى لا يسقطوا روتينهم أو يكرسوا هذا الروتين، كون المسئول إذا ما طلب هذه الخدمة لن يمر عبر هذا الروتين؛ بل سيجد أن هناك اختصاراً وسرعة للاجراءات، ولكن المواطن عليه المرور بكل ذلك، وهذا الأمر يمكن قياسه على مجمل الخدمات المقدمة.. وهي خدمات ليست مجانية. أقول الفساد قد لا يكون مالياً ولكنه إداري، وهو خطير، فمن خلاله تمرر أشكال عدة من الفساد ويجد سماسرته مرتعاً وهو مستصغر الشرر.. أتمنى عدم اضرامه في نار التنمية ليمننا.