لو خُيّرنا بين أن نُعلّم أبناءنا في مدارس خاصة أو حكومية لاخترنا الأولى وأنزلنا بالثانية «عيوب البغلة»، ولأصبحت الفروق السبعة بينهما واضحة للعيان ولا تحتاج إلى جهد أو تركيز.. المقارنة دائماً ما تكون ظالمة تأخذ بالمظاهر، فكل ما يلمع في المدارس الخاصة ذهب، وهنا تقع الطامة التربوية، ولو كلّف الواحد منا نفسه وقام بزيارة خاطفة إلى مدرسة خاصة، وبالذات مدارس «الدكاكين» وسأل عن نسبة الأوائل فيها لخرج بحصيلة أن الغالبية - إن لم يكن جميعهم - يحتلون تلك المرتبة، مما يُدخل الفرح والسرور لدى أولياء الأمور عندما يجد أحدهم ابنه الذي دفع دم قلبه لتعليمه في الخاص وقد أصبح ترتيبه بين العشرة الأوائل، وإن كان في قرارة نفسه يعترف بأن ابنه غبي طالع له. المسألة لا تحتاج إلى حساب ولا جدول ضرب أو قسمة، فلو أن في الفصل تسعة طلاب فكم عدد العشرة الأوائل فيه؟ هذا جواب على كل الذين صادفتهم ولديهم أبناء في تلك المدارس ترتيبهم «فل». وليس من باب الغرابة إن قلت: إنني لم أصادف أحداً حصل ابنه على ذلك المستوى من التحصيل في الشهادة الثانوية العامة، وكأن ترتيب الأوائل في تلك المدارس مشفرٌ . قد أكون متحيّزاً للتعليم الحكومي حد النخاع، ليس بسب «الطفر» بل إيماناً مني بأن المدارس التي تقوم على طريقة فتح «الدكاكين»، سياستها ليست تربوية صرفة بل مادية، أين ما تجد الربح تغير «الشغلة»، اليوم بقالة و«بكرة» مركز اتصالات. مقارنة ظالمة.. إذا لم نفرّق بين مدارس حكومية تنفق عليها الدولة مليارات الريالات ومدارس خاصة تفتح بمجرد أن يأخذ المستأجر عزاله من الشقة. مقارنة ظالمة.. إذا لم نتخيل راتب خريج جامعي في مدرسة خاصة يصل في أحسن الأحوال إلى ما بين خمسة إلى عشرة آلاف ريال، فأي عطاء يمكن أن يقدم ونحن أولياء الأمور نصب غضبنا على المدرس الحكومي أبو «أربعين ألف ريال» فنحمله مسئولية تدني التعليم، ونجد من استغلت حاجته للعمل براتب متدنٍ هو من يرتقي بالعملية التربوية. مقارنة ظالمة - إن لم نقل - بأن الحل في الاستثمار التربوي القادر على استيعاب الإقبال الكبير والمتزايد على التعليم في الوقت الذي لاتزال مدارسنا «محلك سر»، توسعات لا تتعدى إنشاء فصول دراسية بينما الحاجة إلى مدارس قد تصل إلى حد الموجود حالياً، ولكن كنا نتمنى استثمار على أصوله ليس باستئجار الشقق واستغلال العاطلين عن العمل، وإنما بانتقاء كوادر تربوية على مستوى كبير من التأهيل قادرة على العطاء ببطن ملآنه لا براتب «يادوب» يُنفق في مشاوير الدباب من وإلى المدرسة «الدكاكين». نعم إنها مقارنة ظالمة.. وظالمة جداً.