تتزايد الشكاوى من قبل المواطنين في كل مكان من سوء أحوالهم المعيشية وما تسببه الارتفاعات الهائلة في الأسعار من أوضاع سيئة على حياتهم، ومع ذلك فإنهم يبقون الشكوى في حلوقهم، ويجدون مبررات تبدو في كثير من الأحيان غير منطقية، إلا أنهم يرغبون في تسويقها كنوع من مواساة أنفسهم فقط.. الأمر يبدو طبيعياً، خاصة أن هذا الشعب قد أنهكته الارتفاعات المتلاحقة لدرجة أنه لم يعد يستطيع أن يفسر أسباب الهرولة الكبيرة للأسعار في اتجاه الصعود إلى الأعلى، ولا يجد تفسيراً من الحكومة عن هذا التساهل الكبير تجاه المسؤولين عن هذه الارتفاعات المستمرة للأسعار، وكأن المواطنين يشفقون على الحكومة من الوضع التي هي عليه، ولا يجدون مبرراً لعدم قيامها بمحاسبة أحد من التجار، سواء كان منهم الصغار أم الكبار، ولم نسمع أن جهازاً ما معنياً بملاحقة المفسدين قدم تاجراً ما إلى النيابة وجرت محاكمته علناً أمام المواطنين، بل نجد وكأن هناك تحالفاً من نوع خاص بين الجهات المعنية والتجار، والشعب هو الضحية. أقول هذا الكلام بعد الارتفاع الكبير لأسعار رغيف الخبز في العاصمة صنعاء خلال الأيام القليلة الماضية بنسبة تصل إلى 100% فالمواطنون رغم أوضاعهم الصعبة، تقبلوا الأمر وكأنه تعميم منزل من وزارة التجارة والصناعة لا يجب مناقشته أو الاعتراض عليه. صحيح أن البعض أبدى امتعاضاً، والبعض صب جام غضبه على الحكومة، وآخر لعن الجهاز الذي لا يحاسب أحداً، لكن الأمر في النهاية سار، وستسير أمور وقرارات أخرى. الحكومة تدرك أن لديها شعباً مطواعاً ، لا يقول: "لا" صحيح أنه قد يعترض، وقد يمتعض على قرار ما، لكنه لا يمكن أن يعصي ولي الأمر، ولهذا فإنه لا يعمل أي اعتبار لرأي المواطن. ويمكن القول باختصار إن الحكومة تتعامل مع هذا الشعب المطواع باعتباره "شعب عرطة" لن تجد له مثيلاً في أي مكان، شعباً لا يرفض بل يطيع، يتذمر، لكنه في نهاية الأمر مطيع، يحتج هنا وهناك، لكنه في خاتمة الأمر مطيع، يتكلم في الصحف وفي مقايل القات وفي وسائل المواصلات وفي مكاتب العمل، ومع ذلك فهو شعب مطيع، إنه "شعب عرطة" من نوع خاص!!. لهذا فإن التجار يعرفون جيداً مع أي شعب يتعاملون، إنهم يقدمون على فعل أي شيء دون أن يرف لهم جفن، لأنهم يعرفون أن "الشعب العرطة لن يتحرك، ولن يرفض، فإن احتجاجه لا يتجاوز نصف نهار، لأن النصف الثاني يذهب للبحث فيه عن القات ليعود إلى وكره الصغير ويمضغ فيه القات وهمه، ويعود اليوم الثاني وكأن شيئاً لم يكن. إنه "الشعب العرطة" الذي لن نجد له مثيلاً على وجه الأرض، شعب اعتاد على تقبل تبريرات الارتفاعات المتعاقبة للأسعار وهي تذبحه نهاراً جهاراً، لكنه لا يقوى على الحراك. لهذا فإن على التجار ان يكافئوا هذا الشعب المطيع بمنحه الفرصة للعيش بكرامة، ومحاولة استغلال طيبة هذا الشعب وصبره لمنحه فرصة للبقاء، لأن ما يمارسونه اليوم هو سياسة ممنهجة للقضاء على هذا الشعب الذي يموت في اليوم أكثر من مليون مرة وهو غير قادر على تحرير نفسه من نفسه.