مازلنا في شهر «مايو».. ومازالت فعاليات اليوم العالمي للعمال في أوجها في كثير من القطاعات العامة والخاصة والأهلية.. وقد تناولت في أعمدة الأيام السالفة يوم العمال العالمي، وبعض المشكلات التي يعانيها هذا القطاع الواسع رغم ما يقدمه من مكاسب هائلة لأصحاب العمل تصل إلى مئات الملايين إن لم تصل إلى المليارات سنوياً كعوائد من العملية الإنتاجية التي يستحيل أن تتحقق، لولا جهود وتعب وعرق ووقت العمال الذين لا ينوبهم من وراء ذلك سوى الفقر والفاقة والبؤس والحرمان.. ينتجون الملايين بل المليارات، ولا ينوبهم منها شيء، رغم أن هذه الملايين والمليارات ترفل بها القلة بالنعيم والبذخ الحياتي، بينما العامل يرفل في شظف العيش وصعوبته. إن أي زائر للمؤسسة العامة للتأمينات، المسؤولة عن المرتبات التقاعدية لعمال وموظفي القطاع الخاص بمختلف مستوياته.. يجد العجب العجاب، والظلم الظلمات، والاحتيال المستحيل.. يجد أن هناك مرتبات تقاعدية لموظفين وعمال من القطاع الخاص تبلغ نحو 6 آلاف ريال، و8 آلاف ريال، و10 آلاف ريال، و12 ألف ريال..! أليس في هذا ما يثير الدهشة والاستغراب؟ وهل يُعقل أن موظفاً وصل إلى سن التقاعد بعد 35 سنة، أو أربعين سنة عمل، يكون راتبه 6 أو 8 أو9 أو 12 ألف ريال..؟! كم كان راتب هذا الموظف في أثناء عمله، حتى يكون هذا هو راتبه التقاعدي؟! لو افترضنا أن هذا الموظف كان عاملاً صغيراً، أو لنقل حارساً، فهل يعقل أنه كان يتقاضى راتباً شهرياً 8 أو 10 أو 12 ألف ريال مقابل عمل 8 ساعات يومياً.. أو 2 ساعة مثل الحراس يومياً..؟! إن أدنى راتب يجب أن يتقاضاه مثل هذا العامل، أو الحارس في بداية توظيفه لا يمكن أن يكون أقل من 20 ألف ريال، ولاشك أنه يحصل على علاوة سنوية، وكلما زادت سنوات خدمته زاد راتبه حتى يصل إلى سن التقاعد، الذي نفترض أنه يصل إليه بعد خدمة طويلة.. يتوجب على الأقل أن يكون راتبه قد وصل ما بين 30 إلى 40 ألف ريال.. فكيف يكون راتبه التقاعدي ما بين 6 إلى 12 ألف ريال؟!! مؤسسة التأمينات تقول:إن التأمين على هؤلاء قانوناً (15 %)، 6 % من راتب العامل والموظف، و9 % يدفعها 15 العمل.. ولذلك فكشوفات رواتب الموظفين والعمال التي تسلّم لنا من القطاع الخاص ليست حقيقية، لأنها تتضمن رواتب ما بين 6 - 12 ألف ريال.. وكل ذلك تهرب من أصحاب العمل من دفع 9 %.. ويقع أيضاً العامل والموظف في براثن هذا الاحتيال لأنه لا يدفع ال6 % إلا على الراتب الضئيل «غير الحقيقي».. وفي النهاية يقع هو في الظلم عند التقاعد بسبب هذا الاحتيال، وهو ظلم يعلمه صاحب العمل ومؤسسة التأمينات العامة، والموظف والعامل.. لكن الأضعف بين هؤلاء هو الموظف والعامل الذي لا يعلمه جهلاً، أو إن كان يعلمه فلا يجرؤ على المطالبة بحقه خوفاً من صاحب العمل الذي قد يجازيه بالعسف والفصل، دون أن يجد قانوناً يحميه ولا جهة تدافع عنه.. لأن صاحب العمل، في بلادنا، فوق القانون وآلية تنفيذه، وأقوى من النقابات.. وصاحب العمل الذي يقوم بذلك الظلم يتبوأ مقعده بين الظالمين.. علماً بأن عدله وإنصافه لن يؤثر في ثروته بالنقص، وإنما بالنماء والبركة، لو كان يعلم ويتصرف كإنسان مسلم خيّر