الوحدة اليمنية هي الأصل، والتشطير هو الاستثناء، وهو الطارئ الذي يستحيل أن يسمح له اليمانيون بالعودة.. لقد عادت وحدة اليمن، وعاد معها الاعتبار التاريخي للشعب اليماني الذي ظل على واحديته رغم التشطير ورغم السلطنات والمحميات المشيخية، فقد ظل اليمانيون على يمنيتهم، وعلى انتمائهم، ولم ينهزم ذلك في شعورهم وفكرهم ونضالهم ضد النظام الاستبدادي في الشمال من اليمن، والاستعمار في الجزء الجنوبي من الوطن، وظلت الوحدة اليمنية هي الحلم اليمني خلال مراحل النضال المختلفة، وأحد الأسباب والعوامل القوية لقيام الثورة اليمنية «سبتمبر وأكتوبر». لقد وُلدت اليمن - كدولة ونظام - موحدة، ومن يقرأ تاريخ الدولة اليمنية القديمة «سبأ، ومعين، وحمير» يجد أنها قد حكمت اليمن الطبيعي والتاريخي الذي عُرف آنذاك، وشهدت اليمن القديمة تطوراً وازدهاراً ونهضة وقوة في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والتجارية والفنية وفي العمارة وفي نظام الحكم.. وذلك لأن الأمن والاستقرار هيأتهما الدولة اليمنية الواحدة من خلال الضمانات الديمقراطية في الحكم «بمقياس ذلك العصر» ومجالس الحكم المحلية.. فالوحدة اليمنية والديمقراطية والأمن والاستقرار والتطور والتنمية والازدهار كانت متلازمة مع بعضها، وعملت على وجود الدولة اليمنية القوية المترامية الأطراف ذات العلاقات الواسعة مع حضارات الهند والسند والصين، وحضارات الفراعنة والآشوريين وحضارات بلاد الرافدين.. إن الدولة اليمنية والوجود اليماني القوي والمزدهر قديماً لم يكن ليتحقق لولا وحدة اليمن «الدولة والشعب» في ظل نظام حكم مركزي ومحلي ديمقراطي هيأ البيئة اليمنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة للازدهار والتقدم والرخاء والرفاهية. وقد ظلت الدولة اليمنية القديمة قوية الوجود والفاعلية في الوجودات الحضارية القديمة إلى أن ابتليت في أواخر عهد الدولة الحميرية بحكام حاولوا الاستفراد بالسلطة والحكم، فثار الصراع داخل نظام الحكم، وانشغل النظام فيما بينه كل يحاول أن يتخلص من الآخر لتؤول السلطة إليه لوحده، وفي ظل هذا الواقع السياسي للنظام بدأت تتفكك مجالس الحكم المحلية، وبدأت تتناثر الدولة إلى مزق وأشلاء، وأُهملت منشآت الدولة الاقتصادية والزراعية ونظم الري، مما أدى إلى الانهيار الاقتصادي وخراب نظم الري والزراعة، وتدهورت الريادة التجارية لليمنيين حتى انهارت الدولة أمام الغزو الخارجي الذي تمثل بالأحباش بعد فشل الرومان.. فالأحباش أتوا إلى اليمن وقد انهارت قوتها وتفككت وحدتها، وكل ذلك لأن الأطماع والنرجسية التي اتسم بها حكام نهاية الدولة الحميرية هي التي قوّضت الديمقراطية، وبالتالي قوّضت الوحدة، فكانت النتيجة ضعف قوة الدولة وانهيارها أمام الغزو الحبشي.. وهكذا الوحدة قوة، والديمقراطية قوة وأمن واستقرار للوحدة، ودولة الوحدة الديمقراطية الآمنة المستقرة تتهيأ لها الظروف للازدهار والتطور وبناء الدولة القوية.