تشهد ملامح الحياة المعاصرة توجهات مجتمعية طيبة،يدافع من خلالها الأفراد مستقلين أو عبر تجمعات عن حقوقهم وقد شهدت الفترة الحالية في بلادنا ومعظم بلدان العالم هذا التوجه ولعل منها الدفاع عن الحقوق،وضمان حياة آمنة «غير مقلقة» من تقلبات الحياة وذلك الإيقاع المتلاحق ومنه انعكاسات تقلبات الأسعار ودور الدولة في حماية المستهلك. وفي الدول ذات الوضع المترسخ في القوانين يلتزم الناس بذلك ولايبذلون جهداً في اللف والدوران لأن حقوقهم مقوننة ومنناحية أخرى يشكل المجتمع رقابة وتأثيراً قوياً على ممارسة الفرد فعلى سبيل المثال من يرم قمامة أو يعلق أوراق دعاية انتخابية يُنتقد ويعتبر هذا التصرف غير حضاري وقبل أن تحاسبه الدولة يحاسبه جيرانه وأسرته والمجتمع. لذا تترسخ قيم احترام حقوق الآخرين والحق العام وبالتالي تترسخ قيم احترام القانون كما يبادر الناس إلى أن تسن الدولة قوانين تحفظ الحقوق ويلتزم بها الناس وهكذا لاتترك الدولة التناقض يشتد ويبرز كل واحد اجتهاده بل تدرس اقتراحات المواطن. أحببت التطرق لهذه المقدمة وأنا أرى جنوناً ملحوظاً في الايجارات بعد أن هدأت أسعار الدقيق والخبز وتدخلت الدولة وبحثت عن آلية استيراد وتوزيع وتحديد الأسعار واسترد الخبز عافيته وتفهم الناس بائعين ومشترين حدود حقوقهم. إلاَّ أن قضية الايجارات وكأنها «تابو» أي عمل ممنوع الاقتراب منه ولم تحرك ساكناً ازاءها وهكذا امتد الأمر لأسعار عقارات الأراضي وصار محدود الدخل يصل لدفع الايجار الشهري للمنزل بشق الأنفس ومع بداية كل عام وبدلاً أن يتبادل مع المالك تحية العام «كل عام وأنت بخير» تنقلب التحية إلى«كل عام وإيجار جديد.» للأسف تنشأ علاقة شد وجذب وشعور بالقهر للمستأجر وإحساس بالاستضعاف خاصة أن ذلك يمس شريحة مغلوبة على أمرها. ولكن في دول الجوار وخاصة في عدد من دول الخليج وضعت الحكومات أنظمة وقوانين مثل عدم تجاوز الزيادة في الايجار نسبة مابين «5-10» وعدم رفع الايجار إلاَّ بعد «3» سنوات. ولأن أصحاب المنازل يلتزمون بهذه القوانين بل وبمنظومة قوانين تمسهم وتخدم مصالحهم فهم يتقيدون بها ويعتبرون أنه مثلما لهم مصلحة،فالطرف الآخر «المستأجر» له مصلحة أيضاً،وهكذا ما إن تنشأ مشكلة إلاَّ وتجد الدولة تهتم وتتدخل وبالتالي يشعر المواطن بأن الدولة ترعى حقوق الجميع. لذا أتمنى على جمعية حماية المستهلك أن تلتقط قضايا الساعة الساخنة والمستمرة في السخونة وتتابع وتجد لها موطئ قدم في مثل هذه الاحتياجات كالإيجار،النظافة،الحفريات،المرور وغيرها وأن تجعل من هذه المصالح الاستهلاكية قضيتها المحورية. فمازال قانون الايجارات في شد وجذب،فلماذا لاتلفت نظر لجنة الخدمات العامة على مستوى مجلس النواب والشورى والمجالس المحلية لنفض غبار الإهمال عن مشروع القانون للحد من الارتفاع المتصاعد والمزاجي للإيجارات لأن هذا لايقوي فئة على أخرى فحسب بل يهدد السلم الاجتماعي إذ إن فرض أسعار لاتحتكم لقانون قد ينعكس على ممارسة المستأجر للعنف والتخريب المتعمد للمنزل وهكذا تتراكم قيم حقد وكره تتنقل بين الأفراد.. كما أن الفرصة مناسبة وفي إطار اللامركزية لأن تتحمل المجالس المحلية هذه المهام وحتى لايبقى الأمر معلقاً وبذور الحقد منتشرة.