هناك سبع وثلاثون دولة مهددة بالمجاعة بسبب أزمة الغذاء بينها اليمن - حسب كلام رئيس منظمة التجارة العالمية - وقد كانت انجيلا ميركل، المستشارة الألمانية شديدة الصراحة حين سخرت من دول العالم الثالث التي تستورد الطعام من الغرب، ودافعت عن موقف أوروبا الذي يحظر تصدير الغذاء إلى بعض الدول النامية، لقد قالت المستشارة الألمانية وبكل صراحة: “ما ذنبنا في أناس يأكلون ولا ينتجون؟!”.. لقد ذهبت حكومتنا الموقرة إلى قمة الغذاء العالمي وعرفت الكثير عما ينبغي أن يفعله المجتمع الدولي لمواجهة أزمة الجوع التي تهدد العالم، ولم يبق أمامها سوى معرفة ما الذي يتعين عليها أن تفعله في اليمن. فإذا أراد اليمنيون أن يأكلوا فعليهم أن ينتجوا ما يكفيهم من الغذاء، ف«ميركل» أعلنت أن الغرب لن يطعم أناساً لا ينتجون غذاءهم، ولن يسمحوا لهم باستهلاك ما ينتجه الغرب من الغذاء. ولست أدري كيف نسمح لأنفسنا أن ننتقد الدول الغربية التي أنشأت مصانع لإنتاج “الإيثانول” الحيوي من القمح الفائض بالنسبة لهم والزائد عن حاجتهم؛ ولا ننتقد زراعة القات الذي التهم الأرض الصالحة لزراعة الحبوب؟!.. أيكون من حقنا أن نزرع القات وليس من حق الغرب أن يحول القمح إلى ما يحتاجه من الوقود مثلما نحن أحرار في زراعة أرضنا بشجرة القات؟!.. أعتقد أن الدول المنتجة للحبوب حرة فيما تنتجه. فهل تدرك الحكومة اليمنية الأهمية القصوى لمواجهة زراعة القات لما لها من انعكاسات سلبية على التنمية الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية، وقد أبدى الرئيس علي عبدالله صالح اهتماماً كبيراً بضرورة التصدي لهذه المشكلة، وليس أدل على ذلك من دعوته إلى عدم تعاطي القات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية وفي مقرات العمل. إلا أن هذه الدعوة لم تلق استجابة ومازالت المشكلة تمثل هاجساً حقيقياً يؤرق كل المعنيين بقضايا التنمية والتقدم الاجتماعي، ذلك أن زراعة القات تشكل عبئاً على الموارد الطبيعية، وعلى الجهود الدؤوبة في مجال التنمية الاقتصادية. ومن ثم، فإن مشكلة القات تطرح نفسها مجدداً وبقوة، وعلينا أن نعترف بأن شجرة القات تلتهم، أولاً فأولاً جانباً كبيراً من عوائد الإصلاح والتنمية، ونحن نحتاج في الوقت الراهن إلى حوار مجتمعي يتناول كل أبعاد هذه القضية والدور المطلوب على مستوى الحكومة والمحليات. والنقطة الجوهرية هنا هي أن مشكلة القات ينبغي أن تصبح قضية وطنية تتضافر كل قوى المجتمع والقوى السياسية على التوصل إلى حلول غير تقليدية لها، وهذا يعني التعاون والتنسيق بين أجهزة الحكومة المختلفة والمحليات والمجتمع المدني في التصدي المشترك، كل من موقعه لمواجهة هذا الغول الذي التهم كل شيء وفرض نمط التخلف وثقافة الانغلاق. فالحكومة تستطيع أن تتخذ قراراً بفصل الوزير الذي يثبت تعاطيه للقات، والوزارة تستطيع فصل المدير العام أو الموظف الإداري الذي يثبت أنه يتعاطى القات، ومن هنا فإن المزارع سيلجأ إلى التقليل من زراعة هذه الشجرة حينما لا يجد طلباً متزايداً على هذه الشجرة. أما أمانة العاصمة فمطلوب منها أن تمنع خيام العرس التي تنصب على الشوارع؛ ألا يكفي مقايل القات في البيوت حتى تمنحهم تراخيص لقطع الشوارع لكي يتعاطوا القات؟!. إننا نصيح وبأعلى أصواتنا: إننا جائعون، وأصبح الكثيرون منا غير قادرين على شراء غذائهم بعد ارتفاع الأسعار، إننا في قلب المشكلة؛ فنحن نستورد كل شيء حتى العصائر المعلبة، والدول الغربية تتجه إلى تحويل كامل المحاصيل الزراعية إلى وقود حيوي. وعلى الحكومة أن تجعل الملف الزراعي في الواجهة، فقد أهمل هذا الملف طويلاً، وجرى العبث به كثيراً على النحو الذي يستدعي وقفة خاصة من السلطة والمعارضة والتفرغ للتنمية وتحويل أموال النزاعات والحروب إلى الاستثمار الزراعي. لقد أضحت صعدة بلد البرتقال والرمان تنتج القنابل والرصاص، وبني حشيش بلد العنب والزبيب تزرع البارود وتفتعل القتال!!. على المعارضة أن تعود إلى رشدها وتصطف إلى جانب السلطة لمواجهة الاحتمالات الخطيرة التي تهدد مستقبلنا ومستقبل الوطن، فاليمن تفقد كل يوم فداناً من أخصب أراضيها في الوديان إما بسبب الحرب أو بسبب القات. ولا ننسى أن نطالب لجنة الأحزاب أن تسحب ترخيص أي حزب يتعاطى القات في مقراته، نحتاج سلطة ومعارضة إلى إطلاق ثورة خضراء تركز على تنمية الزراعة، فهي الوحيدة القادرة على مكافحة مشكلة الفقر. نحتاج إلى حوار بين المؤتمر والمعارضة حول أزمة الغذاء ومشكلة القات بعد أن ظهرت المخاطر الفادحة جراء زراعة القات وتعاطيه، وسيكون ذلك الحوار هو المدخل الحقيقي لبقية الحوارات. فاليمن ليست بمنأى عما يجرى في العالم، وبالتالي فإن الجوع هو العدو الحقيقي الذي ينبغي مواجهته، علينا أن نقوم بجمع توقيعات من المثقفين والسياسيين ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاعتبارية في البلد، ونتقدم بهذا الطلب إلى المؤتمر واللقاء المشترك لدعوتهما إلى الحوار حول مضاعفة انتاج الغذاء ومواجهة شجرة القات التي تهلك غذاء البشر. إن الحوار الحقيقي سيفرض على الجميع التعامل بأقصى درجة من الجدية نحو تأمين المستقبل، وأقترح كخطوة أولى إنشاء فريق من المؤتمر واللقاء المشترك والمثقفين يتولى تحديد الإطار الاقتصادي، ومن ثم الإطار الفني والإداري اللازم لتوحيد الجهد في الخروج من هذا المأزق. المطلوب الآن هو نشر الوعي بين المسؤولين والعلماء وقادة الرأي والسياسيين ورجال الأعمال أن يجعلوا قضية الزراعة قضية جوهرية، والتعامل معها بجدية وجماعية.