الهدر والتبذير جزء أصيل من ثقافتنا الاستهلاكية وسلوكياتنا اليومية، في المنزل والشارع والوزارة والسوق والإعلام وفي سائر المرافق والتفاصيل.. غياب أو انعدام الشعور بالمسئولية هو ما يولد لدينا الكثير من المشكلات، أهمها استباحة المال العام والمصلحة العامة والحقوق الجماعية، ومن ثم ينتقل الأمر بالعدوى إلى الحقوق والملكيات الفردية والخاصة، فنحن أمام حالات سرطانية لفساد غير مرئي!. {.. الإنفاق الكبير والمفتوح على تشغيل مرافق ومبانٍ حكومية وتجهيزها ومدّها بالخدمات الأساسية وخدمات البنية التحتية يتحول إلى بؤرة هدر وتبديد بشكل يومي، تستنزف مبالغ طائلة وإمكانات مهولة تذهب في غير مصلحة أو فائدة، وقد لا تجد من يلاحظها أو يحاول تقويمها وتقليص حجم الخسائر والنزيف المستمر خلالها. {.. يحدث أن خدمات مدفوعة ومكلفة مثل الماء والكهرباء والهاتف يتم إهدارها وإساءة التعامل معها، أو استخدامها بطريقة التبذير والتبديد العشوائي والعبثي، حتى إن الكهرباء تظل مضاءة في أجزاء كبيرة من المباني والمكاتب والصالات والساحات الجانبية لكثير من الوزارات والمؤسسات والمكاتب والمرافق الحكومية والمحلية، والأمر يستمر هكذا ليلاً ونهاراً وفي الغالب لا يكون هناك سبب أو حاجة على الإطلاق. {.. وقل الشيء نفسه عن خدمات وسلوكيات أخرى، والنتيجة أن مئات الملايين تهدر وتبدد وتضيع بطريقة مؤسفة ومقرفة وانتحارية تماماً. {.. أما الهاتف فإن استخداماته في المرافق الحكومية، ولاسيما في سكرتاريات ومكاتب كبار الموظفين درجة مدير عام فما فوق أو حتى صغارهم وفي إدارات بسيطة وغير مرئية تقريباً، تصبح أكبر وأسوأ عملية هدر وتبديد وسوء تصرف أو استخدام للوظيفة العامة وامتيازات المال العام لمصالح وحاجيات وشئون خاصة وشخصية أو في مهاتفات ومنادمات طويلة مع أصدقاء و«أحباب» قد تدوم لساعات، والفاتورة على حساب الوزارة والجهة ومن خزينة الدولة والمال العام!!!. {.. أبواب الهدر والتبذير من هذه الشاكلة طويلة وعريضة، وتنعدم سلوكيات وضوابط المراقبة والترشيد وحماية المال العام والمصالح العامة. ويبقى السؤال: متى نحترم أنفسنا ونرشّد سلوكياتنا المدمرة؟!.