بعد كثير من اللغط والصخب الإعلامي عقد علماء ومشائخ ووجهاء اليمن «ملتقى الفضيلة» وأعلن المشاركون بدء معركة المنكرات بعد ان أدلى كل متحدث بدلوه، نازفاً جملة من الجراحات الوطنية التي يبحث لها عن دواء ! حتى نهاية الملتقى لم أسمع ما يستفز جوارحي، ولم تكن القضايا المطروحة غريبة عن مسامعي، بل هي هموم شكاها كل منا بطريقته الخاصة، وبلور كل منا رؤيته لمكافحتها، ابتداءً من الفساد الاخلاقي، وتهريب الأطفال، والزواج السياحي، والخمور، والمخدرات، والافلام الإباحية، إلى جانب همنا الأكبر المتمثل بالنعرات الانفصالية، وإشاعة الحقد والكراهية. خلال الملتقى راودني تساؤل : لماذا عندما أراد رجال الدين الخوض في الزواج السياحي وتهريب الأطفال استنفر الإعلام اقلامه، رغم انه ظل يلوك بهذه القضية لأعوام عدة !؟ وكذلك الحال للقضايا الأخرى .. !! هل كان الأمر تشكيكاً في القدرات، أم الرؤى الفكرية، أم آليات المعالجة !؟ وهنا سنقف على فجوة بين المؤسسة الدينية والمؤسسة الإعلامية، ربما كانت صنيعة ظروف معينة، إلا انها ونتيجة لغياب الاحتكاك بين الطرفين تحولت إلى انطباع موروث يتناقله المرء من غير تركيز على حالة التحول الثقافي والفكري التي يكفلها الزمن للجميع.. لذلك ظلت صورة رجل الدين في اذهان البعض تستنسخ ملامح قديمة تكتنفها كثير من السلبيات، رغم ان بعض الرموز الدينية اكتسبت ألقاً علمياً وثقافياً متفوقاً على فلسفة عصره. ومن جهة أخرى، كانت التعبئة الغربية.. والأمريكية على وجه الخصوص ضد نموذج الشخصية الدينية مكثفة وموجهة بدقة متناهية صوب تشويه صورته، الأمر الذي وجد وقعه لدى كثير من الناس ، من غير نظر إلى هوية مصدر الترويج، ومدى نزاهته ومصداقيته، وللأسف مازال الجميع يرفض التساؤل : لماذا ظهرت التنظيمات الإرهابية التي تنسب نفسها لمسميات إسلامية بعد أحداث سبتمبر بالذات !؟ ومن يمولها إذا كانت الولاياتالمتحدة قد صادرت أرصدة جمعيات ومنظمات، وحكومات وتفرض رقابتها على كل ريال يتحرك باتجاه معين !؟ وبالعودة إلى ملتقى الفضيلة، وما شهدته الفترة الماضية من انفعالات إعلامية، فإنني كنت أتمنى أن يبحث علماؤنا عن صيغ تعزز جسور التلاقي بينهم وبين الإعلام، وتذيب ما هو عالق في الاذهان من رواسب بعض حقب الماضي.. فالحياة لا تستقيم بغير شراكة إنسانية عادلة.. ومثلما رسالة الإعلام لا تكتمل بغير منبر المسجد، فإن قيم الدين التهذيبية لا تترسخ أيضاً بمنأى عن دور الإعلام في التعبئة المتواصلة بها، وإشاعة مفاهيمها. وكم كنت اتمنى لو أن الشيخ الزنداني تفادى تسمية الهيئة ب«هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»،لأن هذه التسمية عالقة في رؤوس الناس مع كثير من السلبيات والقصص المشاعة عنها في السعودية، وبالتالي كانت تلك السمعة سبباً في مواقف الكثير من الزملاء إزاء مشروع هيئة الفضيلة، فلكل مفردة أو تعبير وقع نفسي مكنون في العقل الباطن، لذلك ظلت أحب الأسماء إلى نفوسنا ے«محمد» و«عبدالله» وغيرها لارتباطها في الذاكرة بصور عظيمة. لا شك ان كل ما تردد في قاعة ملتقى الفضيلة كان مستمداً من الواقع اليمني، ولم يكن تلفيقاً أوافتراء إلا أن هناك أناساً كثيرين لايستطيعون تخيل الطريقة التي سيعمل بها أعضاء الهيئة، وهو الأمر الذي يتوجب في هذه المرحلة بالذات شرحه للرأي العام، لتطمئن النفوس، وتهدأ السرائر، فالمجتمع بحاجة إلى من يمد له يد العون، ويعينه على قهر بعض التحديات المعقدة، ومن المهم جداً إذابة ماهو عالق في الاذهان من صور سلبية للمؤسسة الدينية.. وهذا لن يتحقق إلا بعمل مؤسسي أيضاً يتوافق مع تقنيات العصر.