الخطوات غير المسبوقة وغير المتوقعة ليست جديدة على الصين، فمنذ أن تبنّت سياسة العصرنات الأربع قبل أكثر من أربعة عقود، وفي ذروة الحرب الباردة كان المراقبون يسخرون من ذلك البلد النامي المُكبل بمليار ومائتي مليون نسمة، وكانوا يقرأون الحالة الصينية بمنظار التهكم والسخرية، ولم تكن أمريكا ومن معها، ولا الاتحاد السوفيتي ومن معه قابلين بالتجربة الصينية، بل كانوا يعتبرونها أنموذجاً للتطرف والمفارقة لقوانين الاقتصاد والاجتماع والسياسة الدولية، لكن الصين نجحت في سياسة العصرنات الأربعة، فيما أخفق الاتحاد السوفيتي وكامل المنظومة الاشتراكية الدولية التي كانت تدور في فلكه. وبعد نهاية الحرب الباردة وفي ذروة التغوّل الأمريكي العالمي سارت الصين على نهج «اقتصاد السوق الاشتراكي» الذي نادى به الرئيس الصيني الراحل “دينغ تسياو بنغ”، وحينها، وكما جرى قبل عقود سخر الساخرون، واعتبروا أقوال الصين ضرباً من الهذيان غير القابل للتحقيق، لكن الصين وأمام دهشة الجميع ظلت تنمو بثبات وصل إلى 14 في المائة سنوياً، وأصبح التنين الصيني يطاول الصقر الأمريكي في علياء طيرانه، بل ويسقطه أرضاً. رفضت الصين بثبات منطق الضم والإلحاق، واعتبرت أن الاستقواء بالعدد والعتاد لا معنى له، وبدلاً من ذلك سلكت طريق الوحدة باعتماد الأفضليات، والتمسك بالنماذج الناجحة حتى وإن كانت صادرة عن مدينة صغيرة بحجم “هونج كونج”، وبهذا استطاعت أن تقدم خيار الوحدة من أجل التطور والنمو، ومن أجل تعايش الأنساق وتعظيم الأفضليات. وخلال السنوات الأخيرة سجلت الصين أرقاماً متصاعدة في ميزان مدفوعاتها الخارجية قياساً بكل دول العالم بما فيها الولاياتالمتحدة ذات الاقتصاد الأقوى في العالم، كما اخترقت السلع الصينية كل الحواجز “المعيارية” الموضوعة ككابح جديد أمامها، لكن الأهم والأجد من هذا وذاك القرار الصيني المفاجىء الذي قضى برفع أسعار النفط في الصين بنسبة 20 في المائة دفعة واحدة، وقد ترافق مع هذا الرفع غير المألوف تفسير صيني غاية في البساطة والوضوح. يقول التفسير: رفعت الصين سعر النفط بنسبة 20 في المائة؛ لأن الصين تعتبر أكثر دولة في العالم تقوم بدعم أسعار الوقود، وهي بالتالي تتخلّى عن هذا الدعم، كما أن هذا التخلّي يستتبعه ترشيد استهلاك الوقود على نطاق واسع، وتحت بند الترشيد يمكن التوقف ملياً أمام قدرات الصين الاستثنائية على تطويع العوامل الاقتصادية من أجل المصلحة العامة ليس للصين فقط بل وللعالم، وهو أمر غير مألوف في عالم الأنانية والوحشية التي تصل إلى تدمير البلدان بالقوة العسكرية، فقبل عامين قررت الصين خفظ نموها الاقتصادي من 14 في المائة إلى 8 في المائة سنوياً، وذلك لتحقيق توازن مع الاقتصاد الدولي وعدم إقلاق المصالح العليا لعديد البلدان المتضررة من النمو المتزايد في الصين.