على رأسها جرت نوائب الدهر.. وجدت نفسها وحيدة في مواجهة مباشرة مع هذه النوائب من طفولتها، حيث مات والدها فأصابها ما أصابها من الأسى والحزن وذل اليتم فلا قريب يرحم ولا بعيد يعطف عليها...أمام هذه الحالة الإنسانية تصحرت النفوس من العاطفة وجفت القلوب من الرحمة.. أصيبت بعدها «هدى» بمرض لم تجد معه الدواء في صحراء النفوس والقلوب التي تحيط بها فترك أثراً عليها شاهداً على من حولها وحجة عليهم يوم يقوم الأشهاد.. لم تستسلم للمرض.. قاومته بارادتها القوية رغم ضعفها فلا خيار سوى المقاومة والصبر ولامجال لإراقة ماء الوجه وإن كان الدافع هو المرض، فالحال ليس بخافٍ على أحد، والخير لا يحتاج لمن يتسوله أو يذل نفسه في بابه...على ذلك عاشت «هدى» ، كبرت والحزن يكبر والألم يشتد وهي تقاوم بالصبر وماتيسر من الدواء. في لحظة ما ظنت «هدى» بأن الحظ قد ابتسم لها وهي الابتسامة الأولى في حياتها...لم تستمر تلك الابتسامة طويلاً فعادت إلى بيت والدها في قريتها مطلقة وعلى كاهلها مسئولية طفلين من زواج لم يستمر كثيراً... في ظل هذا الوضع لم تجد بداً من أن تلجأ للغير فاختارت أفضل الطرق وأشرفها وهي طريق الضمان الاجتماعي. وهناك بدأت رحلة المتاعب الكبرى فالضمان الاجتماعي الذي قررته الدولة للفقراء والمحتاجين والأرامل والعجائز يتحكم به في كثير من المناطق أناس نُزعت من قلوبهم الرحمة وماتت الضمائر وكل ماهنالك من قبح النفوس تجده حاضراً لديهم. في قرية «هدى» حالات الضمان الاجتماعي تمر عبر أناس من هذا النوع المنزوع الرحمة، فتعطى حالات الضمان وفق معايير لا أخلاقية على الإطلاق حيث إن هذه المعايير لم ترحم حالة «هدى» ، رغم كل الشواهد التي ذكرناها ورغم كل النوائب التي جرت عليها والناس يعلمون.. والأسوأ من كل هذا أن يكون عضو المجلس المحلي هو الشخص المسئول عن حالات الضمان الاجتماعي، وهو المؤثر في قرار توزيع حالات الضمان...نعم عضو المجلس المحلي عن قرية «الحسيّمة» من قرى الاعبوس لم تعترف عيونه «الإصلاحية» بما تشاهده من بؤس في هذه الحالة..لقد استمرت «هدى» تحت وطأة الحاجة تذهب إليه كل يوم لتذكره بحالتها...مرت الأيام وهدى تقطع المسافات الطويلة ذهاباً وإياباً لعلها تفوز ببطاقة ضمان واحدة...صباح يوم الاثنين الماضي ذهبت «هدى» لنفس الغاية وفي الطريق قبل أن تصل إلى مسؤولي الضمان الاجتماعي توقف قلبها وماتت ليعثروا عليها بعد ساعات ملقاة في الطريق...ماتت «هدى» قبل أن تكمل العقد الثالث من العمر،ماتت ولم تتحقق أمنيتها في بطاقة ضمان اجتماعي لأن المعايير المتبعة مجردة من كل القيم الإنسانية..ماتت بعد سنين عديدة من المتابعة والمراجعة والتعب، لتستريح من نوائب الدهر ومتاعبه وأحسب أن رسالتها قد وصلت للأقارب والأباعد وللجهات المسؤولة عن الضمان الاجتماعي... وأرجو أن لا يضيق صدر الأخ العزيز مسؤول الضمان الاجتماعي بمديرية حيفان حين يقرأ هذا الموضوع فيرد بالنفي كما فعل في المرة السابقة حين تحدثت عن الخصميات غير القانونية وغير الأخلاقية من مستحقات الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل،لأضيف هنا إلى حكاية «هدى» أن حالات الضمان الاجتماعي الجديدة التي جرى تسجيلها هذا العام قبل أيام قليلة في معظم قرى الاعبوس ومنها «السُبُد» والقرى المجاورة لها قد تم بيعها للمستفيدين مقابل مبلغ يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف ريال للحالة الواحدة ومن لم يستطع الدفع من ذوي الحاجات المُلحة وهم الناس الأكثر فقراً فعليهم بالصيام.. هذاالبيع تسبب في حرمان هؤلاء من الضمان الاجتماعي...وزيادة في الاستغلال والنصب فقد جرى تسجيل الكثير من الأسماء في كشوفات مايسمى بالاحتياط مقابل مائتي ريال عن كل اسم وهات يا استغلال على حساب الفقراء والمساكين.. كل هذا وعضو المجلس المحلي يغض الطرف ولم يحرك ساكناً والخوف كل الخوف أن يكون هذا الأمر قد تم بالاتفاق معه...!!!