التقيت «ص» بعد غياب لأكثر من 20 عاماً وبعد السؤال عن الحال والأحوال وأخبار الأولاد وكيف فعلت عندما تزوج زوجها، قالت: لو سألتيني هذا السؤال قبل «15» سنة لبكيت، فقد كنت احتاج لمواساتك ومواساة كل زميلاتي أما اليوم فأنا أشد عوداً وصلابة.. فقد علمتني الحياة وعلمت الآخرين. حقيقة إذا بي أمام كلام خطابي ينفع في مسلسلات إذاعية وتلفزيونية أو أعمال مسرحية وقد شدني كلامها فقلت لها بلهفة: اخبريني ماذا وراء ذلك، لقد علمت أنك ظلمت وبعد صبرك على زوجك حتى يعود من دراسته ليعوضك عن الفراق وتحمل المسؤولية وإذا به يتزوج عليك وكيف تقبلت الواقع والله أعطاه حق الزواج مثنى وثلاث ورباع؟! وإذا بها تنتفض لتنتقدني قائلة: دائماً تأخذوا من كلام الله جزءاً وتتركون الآخر والله في سمائه لايقبل الظلم والعلاقة الزوجية احترام وشراكة وتشاور وليست مزاجاً. المهم كنت أحاول الحديث معها من منطق العرف والتطبع مع هذه القضايا التي يعيشها مجتمعنا ريفه ومدنه وقلت لها إن من ترفض زواج زوجها تتعب كثيراً، قالت لي تعب رجلي ولاتعب قلبي قلت لها قولي.. وضّحي..قالت: عزت علي حياتي وعز علي صبري وكفاحي معه وهو يدرس ويدرس..ألا تستحق من تقف وراء زوجها وتخفف عنه طلبات الأولاد بل وهي تنفق معه كمدرسة ومزارعة أن يحترمها ويكرمها وإذا به يتزوج عليها.. لو كنت أجيرة لديه لعرف كم سيكون مقابل عملي هذا.. والإسلام أيضاً حصر كل ما تقوم به المرأة لجعل قيمة للزوج. لايظلم الزوج زوجته ثم يرميها مثل حالنا، قلت لها هذا صحيح وكيف تعاملت..قالت: قلت لك عزت علي نفسي تركت منزله بكل هدوء انسحبت من حياته راجعت نفسي أخذت الأولاد إلى منزل أبي رحمه الله وإذا بأخي يتململ مني فما كان مني إلا أن عملت حاجزاً في جزء من البيت لأسكن مع أولادي بهدوء تاركة له ولأسرته الجزء الأكبر وقنعت بعيش الكفاف حتى لايحدث لي خلاف مع أخي فقد كنت أرسم وأخطط لأمر آخر رضيت بما قسمه الله لي وتمثلت قصة مريم عليها السلام وهي تأكل من البلح المبارك..صدقيني كان الله يبارك لي بالرزق وتيسرت لي الأمور..جمعت فلوسي واشتريت أرضاً بنيت منزلاً بسيطاً عليه لأعيش أنا وأولادي فهم أبناء الغريب وعندما توزعت تركة أبي اعترض اخوتي على حقي في إرث الأرض وهذه معركة أخرى حملتهم ظلمي كامرأة وقبلت شراء حصتي لأضمن لي ولأولادي بيتاً وأؤثثه وليتجه كل منهم للتعليم. قلت لها: وأبو أولادك ماكان دوره؟ قالت: أبوهم كان يرسل لهم مايقرره فقد شعرت أنه لايستحق حتى الطلب منه دفع مصاريف والذهاب إلى المحكمة للشكوى به لقد سقط كثيراً من عيني أتعرفي أنني من ذلك الوقت لم أره فقد انشغلت بهمومي وشعرت أن بناء نفسي وحمايتها أقدم من أي شيء آخر. قلت لها: ماذا عملت بعدها؟ قالت: دخلت الجامعة ودرست دورات كمبيوتر واشتريت جهازاً وصرت الوحيدة في القرية من هي متعلمة جامعية لديها كمبيوتر ولديها علاقات قوية مع نساء القرية بل وفتحت الطابق الأرضي من منزلي لمحو الأمية حيث يقمن بنات القرية المتعلمات بتدريس غير المتعلمات وأغطي حصصهن إذا غبن..صدقيني شعرت عندما وقعت مشكلتي هذه بحاجة النساء الماسة والضرورية للتعليم والتمكين. قلت لها: ماذا تقصدين بالتمكين يبدو أنك فعلاً تمكنت قالت: نعم استثمرت جهدي المجتمعي والتعليمي مع نساء ومواطني القرية واليوم أنا مديرة المدرسة وسأترشح لعضوية المجلس المحلي.. قلت لها: هذا عمل وتمكين قوي فأنت عانيت كثيراً ولكن ماذا سيقول اخوتك وأولادك، قالت: ماحصل لي من تمكين، حين خرجت من منزل زوجي وحين ربطت على بطني وبنيت المنزل وتعلمت فهذا انجاز لايستطيعون نكرانه بل إنهم لايجرؤون فصورتي اليوم كامرأة ليست صورة يمكنهم أن يهزوها بل هي صورة يتزينون بها كأفراد وأسرة لقد سألتهم عن رأيهم، تصوري ماذا قالوا: قالوا لقد شرفتنا بل إننا خجلون لأننا لم نساعدك ولكن عزاؤنا وتعويضنا أننا معك في ترشحك وسنساندك في الانتخابات. سلمت عليها وافترقنا، شعرت أن المعاناة أيضاً تمكن الإنسان وشعرت أنها اضافت لقافلة النساء القويات امرأة قوية صلبة عانت كثيراً لكنها غيرت تلك الصورة النمطية مع غيرها من النساء القويات عن المرأة إلى صورة مشرقة لليمنيات