جذبني إليها صوتها الخارج من الأعماق ويكاد يختنق، وهي تلفظ أنفاسها بصعوبة من شدة التعب والبؤس اللذين تشعر بهما، وقد ارتسمت على وجهها مسحة من الحزن والألم، بينما علامة الفقر واضحة عليها، وبنظرتها كل الأسى التي تجمع على مر السنين ، أحسستها تقاوم الدموع وتحاول الحفاظ على ما تبقى من آدميتها بعد أن ضاقت بها كل السبل .سيدة تجاوزت العقد السادس من العمر، بحسرة تتحدث عن الضائقة المالية التي تمر بها قائلة : لا أدري ماذا أفعل تحت إلحاح الحاجة والعوز؟ حيث يقبل علينا شهر رمضان المبارك، ولابد من تحضير مستلزمات الشهر الكريم ، والمدارس ستبدأ عامها الدراسي الجديد ويتحتم علي شراء الاحتياجات المدرسية لأحفادي اليتامى الذين تكفلت برعايتهم صغاراً، وتحملت مصاريفهم كاملة من الألف إلى الياء، وأصبحت الآن في موقف صعب وكما يُقال «ضربتين بالرأس توجع» ، وتبدأ بالتساؤل مرة أخرى : من أين نُحضر ونشتري هذه الاحتياجات، نبقى طوال الشهر ننتظر راتب التقاعد، وعندما يأتي لا يبقى منه شيء، عبء الحياة ثقيل، وحين أنظر إلى أحفادي وهم يسألوني عن مستلزماتهم المدرسية يملأني الغضب وينعقد لساني ، فلا أستطيع أن أجيب ، وماذا أقول ؟ . بمحض المصادفة يتزامن افتتاح العام الدراسي الجديد مع حلول شهر رمضان المبارك ، مما شكل عبئاً كبيراً على معظم الأسر اليمنية الفقيرة؛ حيث يعجز الكثيرون عن تحمل مصاريف و نفقات هذا الشهر بالذات ، لذلك أصيبت تلك السيدة الفاضلة بحالة من القهر والحيرة بعد أن أُغلقت جميع المنافذ بوجهها كغيرها من الأسر اليمنية الفقيرة التي تعاني من شظف العيش وصعوبة الحياة، ومشغولة بالتفكير: هل تجهز أبناءها للمدارس أم تشتري حاجيات رمضان ، بينما الراتب لا يغطي المصاريف الشهرية المعتادة من فواتير ( الإيجار، الكهرباء، والمياه ) . الفقر بوجهه الكالح أصبح يتفاقم داخل المجتمع يوماً بعد يوم ، وعدد الفقراء يزداد وتزداد معه حالة البؤس التي تنخر في العظام، دون إيجاد الحل الجذري لمعالجة أحوالهم وتحسين حياتهم الاقتصادية، وما يحفظ لهم كرامتهم وآدميتهم ويبعد عنهم مرارة جحيم الحاجة الماسة ، يقبل رمضان وهم لا يشعرون بالاستقرار النفسي والمعيشي ودون أن تظللهم الطمأنينة والفرح. مثل كل عام ، سيهل علينا شهر رمضان المبارك ليتربع على عرش قلوب الناس، دائماً ما يحل ضيف كريم، ُيمنّي النفس بشيء من الانفراج؛ حيث تكثر الأنشطة الخيرية في الشهر الجليل، فهناك من ينتظر حلول الشهر ليجد بعض الصدقات التي تعوض عليه مرارة المعاناة من الحرمان المادي طوال العام ، أجواء رمضان فرصة سانحة للتغيير؛ حيث تكون النفوس مستعدة لفعل الخير، فهو يجسد قيم التعاضد والتعاون وزيادة أواصر الترابط داخل المجتمع وينمي مفهوم التكافل الاجتماعي، تزكية النفس وبذل العطاء ميزة لا تتوافر إلا في رمضان خلافاً عن بقية الأشهر، ويصبح الأغنياء في هذا الشهر أكثر قرباً من الفقراء، فالزكاة علاج للفقر، والصدقات تطهر الذنوب وتساعد المحتاج بالتالي ينبغي أن تتحد الجهود لمساعدة المحتاجين والفقراء، لكن ماذا سيفيد طالما المساعدة تنتهي بعد انتهاء رمضان ويعود الحال كما هو عليه ! فالفقر يستلزم حراكاً اجتماعياً ، والفقراء بحاجة إلى رعاية دائمة ودفعة قوية نحو الأمام والاعتماد على الذات وعدم مد يد الحاجة المستمرة ، لماذا لا نتعاون في الشهر المبارك وتكون الصدقات عبارة عن مساعدات لإنشاء مشاريع صغيرة للمحتاجين تساعدهم على تغيير مستوى المعيشة ، بالفعل من هنا يأتي ما اقتضته الحكمة الإلهية من حلول هذا الشهر علينا كل عام . [email protected]