أثقلت مستلزمات المدارس كاهل المواطن الذي أنهكته متطلبات شهر رمضان ولوازم العيد.. لتدخله في نفق جديد يصطدم بآخره بحُمى ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية من ملابس وشنط ودفاتر وأقلام. حلول العام الدراسي، الذي أعقب الشهر الكريم وعيد الفطر، شكّل حالاً من الضيق في اقتصاديات الأسرة بسبب المتطلبات التي تحتاجها مستلزمات كل مناسبة، وجاء التزامن بين افتتاح المدارس والعيد ورمضان ليُلقي بثقله على أصحاب الدّخل المحدود.. "السياسية" ناقشت الموضوع مع الأسر وأصحاب المحلات. حسن حظ وعلى الرغم من حسن حظ تلاميذ مدينة عدن والذي تأخّر العام الدراسي الجديد حتى بداية هذا الأسبوع، والذي صادف بداية الشهر، والذي يعني وقت استلام الراتب!! ومع هذا لسنا في مبالغة لو قلنا إن كثيراً من الأسر لجأت إلى الاستدانة لتغطية مصاريفها، لاسيما فيما يتعلق باحتياجات المدارس التي تبدأ من اللباس إلى الحقائب والقرطاسية وما يتبع من ضروريات مدرسية يحتاجها الطالب. ويزداد العبء ثقلاً كلما زاد عدد الأبناء الملتحقين بالمدارس، وفي الأغلب يوجد ضمنها على الأقل ثلاثة، وقد يزداد العدد في مستويات دراسية مختلفة تبدأ من الروضة إلى التعليم الأساسي إلى الثانوي فالجامعي... الشيء الهام هو أن افتتاح المدارس بعد تجاوز صرفيات شهر الصيام والعيد ولّد أزمة خانقة لدى الأهالي ممّا جعل الأم والأب قبل ومع افتتاح المدارس يضربان أخماساً بأسداس للحاق بقائمة الاحتياجات المدرسية. وفي جولة قامت بها "السياسية" في أسواق مدينة عدن لمسنا تفاوتاً سعرياً يتبع الجودة التي يتميّز بها المنتج المعروض بالنسبة لاحتياجات طلبة المدارس من البسة وحقائب وأحذية.... الخ. تفاوت أسعار فالمحال الشعبية لها أسعارها والمحال (السوبر) لها أسعارها كذلك، فبدلات المرحلتين (تعليم أساسي - ثانوي). في الشعبي تصل إلى ثلاثة آلاف ريال وفي محال"السوبر" إلى حوالي خمسة آلاف ريال للطقم الواحد. أما أسعار الأحذية تبدأ من ألف ريال وتنتهي بأربعة آلاف ريال، تختلف باختلاف الجودة والمتانة، وتبدأ أسعار الحقائب من ألف ونصف لتصل إلى سبعة آلاف ريال. وتأتي بعده المواد القرطاسية وحافظات الماء والطعام وغيرها من اللوازم المدرسية التي تمتلئ بها الأسواق بين محلات للملابس والأحذية أو المكاتبات. على قدر فراشك هكذا بدأ عبد الرحمن السقاف حديثه، والذي أوضح لنا أنه أب لأربعة أبناء جميعهم في المدارس، وعندما حسب الميزانية المطلوبة منه بعد أن رفضت زوجة وبإصرار على تحمل عبء شراء مستلزمات المدارس حتى لا تتورط كما تورّطت بميزانية كساء العيد، أصر على النزول إلى السوق بنفسه، وبعد أن اطلع على الأسعار توصل إلى أنه يحتاج لكل ابن من أبنائه الأربعة ما يقارب 11 ألف ريال، أي بمجموع 44 ألفا، والذي يزيد عن قيمة راتبه! فإذا كان راتبه لا يتجاوز 40 ألفا وعليه التزامات من مأكل ومشرب وفواتير ماء وكهرباء، إضافة إلى مستلزمات المدارس -كما ذكرنا سابقاً- فكيف عساه ان يتصرّف!! الحل الوحيد الذي توصل له -كما قال لنا- أنه لن يشتري لأبنائه هذا العام الدراسي دّفاتر وأقلاما فقط...وعليهم مرغمين أن يرتدوا ملابس العام المدرسي السابق، أما الأحذية فحذا العيد موجود!! أسعار في الطالع.. التقينا بأمّ مروى وهي تتجول في السوق بقصد شراء متطلبات المدارس لأبنائها الثلاثة، والتي أبدت انزعاجها الشديد من أسعار مستلزمات المدارس لهذا العام، تقول: "لم نفق بعد من صدمة كساء العيد والذي تميّز هذا العام بجنون أسعاره". وتضيف: "إن ميزانية متطلبات هذا العام الدراسي تجاوزت ضعف ميزانية العام الماضي! فالزى المدرسي والجو الحار في مدينة عدن يفرض علينا أن نشتري لكل واحد أكثر من بدلة واحدة، وتأتي طلبات الدفاتر والقرطاسية التي تتشرط فيها كل مدرسة على هواها وطلباتها التي لا تنتهي طوال العام، من صلصال وصمغ وأوراق مقوّى...الخ، وخاصة لطلاب الروضة والابتدائية، ونحن مرغمون على توفيرها، وإلا بدأ نحيب أطفالنا؛ خوفاً من عقاب المدرسة في حالة عدم تلبية ما هو مطلوب؟ وتشكو من عدم تفهّم أبنائها لظروف الوضع المادي، حيث يصرون جميعهم على تلبية متطلباتهم المدرسية من ألِف إلى الياء.. وتتساءل: لماذا ترتفع الأسعار عاما بعد آخر، ويبقى الراتب على حاله؟". الدولار هو السبب أحمد هادي صاحب أحد المحال في منطقة كريتر بعدن عند سؤاله عن سبب ارتفاع أسعار متطلبات المدارس لهذا العام علل أن الدّولار هو السبب، ففي ارتفاعه الأخير أدى إلى ارتفاع أسعار هذه المواد، وخاصة أن معظمها مستورد من الخارج، ويُشترى بالدولار! ويضيف: " نرفع أسعار البضاعة مضطرين؛ لأننا اشترينا بسعر مرتفع مقابل سعر الدولار". وهذا ما برر به طه محمد صاحب محل أحذية وحقائب أن الدولار مرّة أخرى هو السبب. فلو أمعنا النظر سنلاحظ أن الدّولار ارتفع لمُدة لم تتجاوز أسبوعين، وما لبث أن عاد إلى سعره القديم، ومع هذا يُصر جميع أصحاب المحال أنهم اشتروا أثناء الارتفاع الكبير للدولار مؤخراً، فهل اتفقوا جميعاً أن يشتروا بهذا التوقيت بالذات أم أنها غطاء لجشعهم وطمعهم غير المحدود. ويبقى الدولار غريم المواطن محدود الدّخل، والذي لا حول له ولا قوة، أمام هذا الظلم حلان لا ثالث لهما، إما الاكتفاء بالحاصل والاستعانة بلبس القديم من العام الماضي والاكتفاء بالضروريات كالدفاتر والأقلام، كما عمل السقاف وأمثاله كُثر ممّن حذوا حذوه هذا العام بالذات، أو الاستدانة، وتحمل عبء إضافي يعلم الله وحده كيف ومتى سيُدفع هذا الدّين، والذي يضاف إلى قائمة طويلة!! ختاما عزيزي الأب عزيزتي الأم، إذا أحسستم بصداع لا يتوقّف أو بألم في المعدة أو بأرق في الليل أو اكتئاب فلا تتعب نفسك بالذهاب إلى الطبيب، ولتعلم جيّدا بأن أمهر الأطباء وكذلك أفضل الأدوية لن يتمكّنوا من علاجك، لأن منبعه كثرة التفكير في أمر ميزانية المدارس التي زاحمت ميزانية رمضان والعيد السعيد! صحيفة السياسية