لا يختلف عاقلان حول المسؤولية في بلادنا، وأنها تتقلب بين النعمة والنقمة والتعب والراحة، والنزاهة والرفاهية، والتكليف والتشريف والأمانة والخيانة، والتضحية والأنانية، والوطنية واللا وطنية، والوجود الدائم والحضور الفاعل أو البقاء المستمر خارج التغطية بعيداً عن الناس.. وعلى كل مسؤول في مؤسساتنا أن ينظر في أي المربعات يصنف خلال وجوده أو تعاطيه مع المسؤولية الموكلة إليه من قبل القيادة السياسية. لذلك فإن المواطن البسيط يستطيع بعفوية أن يفرز كل مسؤول في المؤسسة الخدمية أو القضائية أو الأمنية أو التربوية أو الصحية التي تقع في دائرة حياته اليومية، ولابد من أن نأخذ ذلك الفرز بعين الاعتبار، لعدة أسباب منها: أنه صاحب المصلحة الأولى في نجاح تلك المؤسسات، والخاسر الأول حين تؤول إلى الفشل. والآخر أنه متجرد في حكمه، ولا يسعى إلى السباق أو المنافسة على دائرة الضوء، مما يجعل ربطه لكل مسؤول بالمربع المناسب له والمستوى الذي يستحقه صادقاً وواقعياًَ، ولو كان ذلك من خلال حضوره الدائم والمستمر في المؤسسة أو هروبه خارج التغطية. الأمانة الوطنية تستدعي تضافر الجميع باتجاه تفعيل دور ومهام ووظيفة المرافق والمؤسسات الحكومية والاجتماعية، والمشاركة العملية في إنجاحها وتجفيف مستنقعات الفساد فيها. وبدون إشراك المجتمع في خطوات وبرامج الإصلاح المؤسسي ستبقى مشكلة الفساد والفشل والتسيب في أجهزتنا ومؤسساتنا قابلة للازدياد والاستفحال، وحلولنا شكلية ومتعثرة، وجهود الدولة مستهدفة من قبل أعداء التطور والنهوض الاجتماعي، ولصوص المال العام، وتفريط متعمد بحق الأمانة الوطنية التي أوكلتها القيادة السياسية إليهم. إن إشراك المواطن في التقييم الدوري والمنظم لكل مؤسسة ترتبط بحياته اليومية يساعد القائمين عليها في معالجة القصور والأخطاء، ويقوي ارتباط المجتمع بها، وتحميلهم مسئولية استمرارها وتطور خدماتها. وليس ذلك فحسب، بل يدفعهم إلى المحافظة على كل محتوياتها وجمالياتها المادية والمعنوية، وفي ذلك تدعيم فعلي لمبادئ وقيم الإدارة المحلية الناجحة وممارسة جماهيرية في المحافظة على المال العام والمرافق العامة وحمايتها من العبث والتدمير المتعمد، وتوفير كبير للخزينة العامة. وبناء علاقة إيجابية بين المواطن والمرافق أو المؤسسات الحكومية تشعر المسؤول الأول في كل مؤسسة أو مرفق أنه مراقب ومحاسب من قبل المواطن، فيعمد إلى العمل الجاد والسعي الدائم لإنجاح وتميز المرفق أو المؤسسة التي تحمّل مسؤولية إدارتها وتسيير أمورها. ويحرص على أن ينال تقييماً إيجابياً ومنصفاً من المواطن المستفيد من مؤسسته ويشهد له بتطوير خدماتها ونجاح وظيفتها الاجتماعية وإضافاتها الوطنية، فينعكس ذلك التقييم الإيجابي احتراماً وتقديراً وثقة متزايدة من قبل القيادة السياسية. وبما أن شهر رمضان المبارك قد هلَّ علينا فليكن المحطة الروحية والضميرية لكل منا؛ نعيد فيه قراءة أنفسنا ومعالجة أخطائنا، وليضع كل منا ذاته ورصيده في المربع المناسب بصدق وموضوعية حتى نحقق الحل الصحيح للمعادلة الربانية المتمثلة في قوله تعالى: «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم. رمضان مبارك.. وكل لحظة واليمن الأرض والإنسان بخير وتطور ونماء.