كان لي خلال هذا العام زيارات متعددة إلى المحافظات الزراعية، توزعت في مختلف فترات المواسم الزراعية وحمدت الله كثيراً أثناء هذه الزيارات أنه أنعم علينا بأرض خضراء، في السهول والجبال والوديان، بل إن الإنسان ليعجب وهو يرى جبال اليمن مغطاة باللون الأخضر من قمم جبالها إلى أخمص قيعانها. وليعجب الإنسان من تلك النعمة التي أراد الإنسان إلا أن تأخذ صبغة الخضرة وإذا بمعظمها ينشر بها سموم يتعاطاها بل ويجاهر بها في دورة اقتصادية متكاملة استطاع أن يثبتها - وأسفاً عليه!! - في فرص عمل هشة، يضطر الحاصلون عليها للتمسك بها!!! كنت أشاهد خضرة على مدى البصر في أحد الوديان الزراعية في محافظة المحويت وإذا بمزارع القات تمتد وهي أشبه بالجدار العازل الذي صنعه الصهاينة في الأراضي الفلسطينية محاصرين لها وعازلين لها عن تواصلها مع بقية الأرض، والقات هو الآخر شرذم زراعتنا واستوطن كثيراً منها بل اجتث مزارع البن والحبوب بمبررات واهية..مما يجعل المزارع «مكرهاً أخوك لا بطل» كما يقال وهو يزرع تلك الشجرة اللعينة التي تستوطن أمعاء شبابنا كما تستوطن عقولهم..هذه الشجرة لم تدعم وجودها الولاياتالمتحدةالأمريكية رئيسة النظام العالمي الجديد ولا الاتحاد الأوروبي ولا منظمة الأغذية والزراعة ولا..ولا..بل دعمها السُذج والبسطاء من أبناء شعبنا ووافقتهم ضمناً الحكومة فالساكت عن الحق شيطان أخرس...بل تجد الجندي في المعسكرات ونقاط التفتيش، كما ترى المسئول في الدولة وكذا في صور المجلات جميعهم «يحسكون» - ومعذرة لاستخدام هذه الكلمة - تلك الاعشاب المحلاة ببقايا المواد الكيميائية.. كما ترى أوراقها سيئة الذكر تحتشر في منازلنا وبين أرضيات وفرش منازلنا، دون رفض لها كما هي تتسيّد أبرز أماكن أعراسنا بل وأماكن مواساتنا بقوة ومباهاة!! كيف لشجرة البن تنحسر ولاتجد ماء يروي حباتها وهي المحصول الوطني التاريخي الذي أوصل عالمية اليمن من خلال بنّها وعرف العالم «مخا» اليمن بأنه ميناء اليمن وموطن نقل البن وهكذا اندثرت مغناة « بُن اليمن يادُرر ياكنز فوق الشجر» لينمو القات كالنار بين الهشيم في مزارعنا. ليتنا ندرس ونطبق ما تعلمناه من أبجديات الاقتصاد والتخطيط بمقارنات لزراعة وتسويق القات والبن هل العملية تتعلق بموارد مالية تنفق على مدخلات العملية الزراعية مثل الماء والأسمدة أم تتعلق بالتسويق والترويج أو سعر المنتج أو تكلفته الانتاجية أم هي أسواق منافسة أم العرض والطلب أم هي ثقافة مجتمعية.؟! في الحقيقة المنتجان الزراعيان مكلفان ويحتاجان ماء وعناية ولكن توسع ثقافة القات «والتقويت» والتخزين وأساسها تدني ثقافة المجتمع وهروب من معالجة حقيقية وخطوات عملية للحد من تعاطي القات..لذا انفتحت شريحة واسعة سواء الأطفال أو الشباب العاملون والطلبة بما فيهم الفتيات في بعض المحافظات وما يؤلم أن الأطفال العاملين في الأسواق يتعاطونه منذ الصباح وبعفوية واستمرارية. إنه خطر آني ومستقبلي .. خطر آني على أبناء وشباب اليوم وآثار مدمرة على اقتصادنا الزراعي وأمننا المائي بل والغذائى وذلك الحشد من القوى العاملة المنتجة التي تعمل في دورة اقتصادية غير مجدية وخطر صحي يحدق بسلامة الأرض الزراعية من المواد الكيميائية المكثفة..خطر مستقبلي يحدق بالشباب..خطر حزبي في التداول للقضايا عبر دواوين القات التي استوعبت وفرخت نقاشات نميمة حزبية بدلاً من أن تستهدف هذه التجمعات نقاشات حيوية وهذه مسئولية هذه التجمعات التي استغلت جمع القات للشخصيات لهذا الأمر. وقد يقول قائل: إنني تحيزت لبنات جنسي فأقول:الأمر سيان فالنساء «يخزنَّ» للتنافس والوجاهة المجتمعية من إنفاق مالي أكبر من تجمعات الرجال. خطر خارجي فقد صارت صورتنا مشوهة قدر تشويه صور «المخزنين» وفي فمهم تضخم في الخد يعتقده القارئ والمشاهد الاجنبي أنه ورم ولكن الورم بريء بل انه قات ولا يقلق هذا القارئ أو المشاهد الاجنبي على صحة اليمني. أما المؤلم أن القادمين من اليمن في بعض وسائل النقل البحرية والجوية والبرية يفتشون بدقة بل ويعرضون للمساءلة بل والمحاكمة والسجن!«كان معهم قات». أما التذرع بأن القات يدرء مصيبة تعاطي المخدرات فلم يحجب القات المخدرات بل صار رديفاً ومشجعاً لها بل وكل واحد يكمل الآخر!!! نحن الذين أسأنا للقات وحملناه واستنزفناه بتوسعن في زراعته وتسميده ولعلنا أضررنا بالأصناف الوراثية وانتشار مضغه قلل من مكانته التي كان يتمتع بها فهو كما يقال «قوت الصالحين» ويُتعاطى في بيئة خاصة من الاستعداد الذهني وتهيئة في المنزل أو جمع مناسباتي ليس كما هو الحال عليه اليوم بل إن كثيراً من المتعاطين انضموا لتعاطيه نظراً لتشجيع بعض الزملاء وحتى انطبق المثل عليهم «اللي يساعدك في القتل ما يساعدك في الدية» حيث يحضر الشخص ويشجعه الآخرون بمد أعشاب القات ثم يجد نفسه مضطراً في اليوم الثاني لشراء حزمة قات وهكذا يدخل أخونا مجتمع «المخزنين». ويبرز كرم المتعاطين عندما يمدون بأعشاب لجنود نقاط التفتيش أو المتسولين أو لبعض أفراد الأسرة كالجدة والأم والخالة بل إن القات ومتعاطيه فرجة للزائرين لبلدنا حين يطلبون بشغف رؤية تجمع قاتي في الدواوين أو صالات الأعراس وما ينقصنا إلا عرضه في معارض السياحة.