تعتبر الهوية الثقافية بتجسيد لا حدود له أحد أشكال الانتماء الوطني لأي شعب أو فرد أو جماعة وتتجاوز الهوية الثقافية عند البعض ما يطلق عليه «تعددية الدين» أو العرف ولكنها تظل هوية إنسانية لا يستطيع أحد طمسها أو النيل منها أو حرصها وبقدر ما يتعاطى ويطور الإنسان هويته بالقدر نفسه تستمر الهوية كأحد أشكال التعريف والبقاء. في زمن الثورات والنضالات الوطنية تبرز الهوية الثقافية كأحد أشكال الانتماء والتأكيد والتعبير ولعل الشعب الفلسطيني يقدم أنموذجاً في التعريف والممارسة الثقافية حيث يحتفظ الفلسطيني بمفتاح المنزل ليعود و يفتحه وترتدي المرأة الفلسطينية الثوب الفلسطيني معرفة بأنها من المنطقة هذه أو تلك. وكذلك هو الشال الفلسطيني وكذلك هو غصن الزيتون الذي حمله الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات في السبعينيات عندما ذهب للأمم المتحدة.. فقد عمل الفلسطينيون على تأكيد هويتهم الوطنية من خلال هويتهم الثقافية لإثبات حقهم السياسي كما هي معركتهم مع العدو الصهيوني وما يقوم به من انتحال وتزوير وتزييف مكونات الثقافة في الآثار والمباني والرقص والأطعمة والصناعة الحرفية. وفي الظروف العادية أيضاً تحتاج الشعوب للتعامل بل والاعتزاز بالهوية الثقافية للتعريف بذاتها ولتقديم ذاتها أيضاً للآخرين ولإزالة اللبس والمزج عند الآخر، وبالنسبة للهوية الثقافية اليمنية هي ضرورة ثقافية في ظل التداخل والانتشار السريع سواء بالاقتباس أو الانتحال وما يشغله ذلك من طمس وانتحال للهوية الثقافية ومحاولة إبعاد المواطن عن هويته وما يشكل ذلك من مخاطر العولمة وما يجده من فراغ ثقافي ملأته ثقافات أخرى بعد طمس وتزييف للثقافة الوطنية. إن ما يحز في النفس هو أن كل بيئات الثقافة والتثاقف مثل المنزل الذي أصبحت جدرانه خاوية من أي موصل ثقافي وكذلك هو الشارع. إننا اليوم في ظل التداخل وانتشار المعلومة وصعوبة معرفة أصلها وهي أيضاً ليست مسئوليه المتلقي فإننا نحتاج لتأطير نشاطنا بهوية ثقافية وطنية من خلال الشعار وتقديم أنفسنا للآخرين حتى نستطيع بعد ذلك الدفاع والتأكيد على هويتنا الثقافية من آثار سواء مخطوطات ونقوش ومجسمات ما زالت موجودة في متاحف العالم وكيف نضمن لهذه الآثار البقاء في بيئة وطنية سليمة لاتعرضها للاندثار والحال نفسه لموروثنا الغنائي والفني من كلمة ولحن خاصة أن هناك أشكال حماية قانونية دولية معروفة في منظمة اليونسكو ومنظمة الويبو وهي تعنى بحماية الملكية الفكرية ولها العديد من الاتفاقيات البروتوكولات لحماية الأعمال الثقافية والتاريخية وأساليب التداول للتراث والثقافات وبما يحقق الانتماء لأوطانها والاعتراف بها كحقوق ثقافية. على أن ذلك يتطلب وعياً وعملاً من الجهات المعنية من خلال التمثيل المشترك في اللجنة الوطنية اليمنية للتربية والثقافة والعلوم والتي لديها كفاءات وطنية على رأسها الدكتور عبدالباري القدسي الأمين العام للجنة. أن الهوية الثقافية تحتاج لتدابير وطنية تحقق الحفاظ والاعتراف بها ،كما تحتاج للأخذ بالاعتبار تطور تقنيات الاتصالات والأثر السلبي للنقل للمادة الثقافية وعدم التنبيه المقصود وغير المقصود لأصل ومنشأ هذه المادة وما يحرم الوطن من حقه. إنها معارك ثقافية في ظل العولمة التي جعلت العالم قرية صغيرة تتلاقى فيه الثقافات وتتلاشى الهويات ولكن من لديه القوة والقدرة على الدفاع وكذلك القدرة على تقديم ثقافته وبناء دفاعات لحمايتها هو القادر على حمايتها وتحقيق بقائها.