يوماً بعد آخر يزداد الناس وثوقاً بأن الإرهاب يمثل الأنموذج الأعلى من الوحشية، ومرتبة متقدمة جداً من الكفر بكل ما أنزلت الشرائع السماوية من عقائد، وقيم ، وتعاليم، وممارسات أخلاقية.. غير أن عظمة خطورتها تكمن في ادعاء هذه الجماعات بانتمائها للإسلام، وتمثيل عقيدته. يوم الأربعاء لفت انتباهنا العميد يحيى محمد عبدالله صالح - أركان حرب الأمن المركزي - إلى حادثة وردت في السيرة النبوية الشريفة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فحدثنا حول قرار كفار قريش بقتل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكيف جمعوا له الرجال، وتربصوا له على باب الدار بانتظار خروجه من البيت ثم قتله... فتساءل الأخ يحيى: لماذا لم يدخل كفار قريش إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقتلوه؟ وما الذي منعهم وجعلهم ينتظرون على الباب، رغم أن بيوت ذلك الزمان غير محصنة البنيان أو الأبواب، ورغم أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لم يكن يضع حراساً على باب بيته!؟ أجاب الأخ يحيى على سؤاله بأنها «الأخلاق العربية»، فالعرب آنذاك كانت لديهم أخلاق وأعراف متمسكين بها، وحتى الكفار منهم ملتزمين بها، بينما الإرهابيون اليوم بلا أي أخلاق، أو أعراف أو عروبة.. وحتى بلا دين!! هذه القصة وما تحمله من دلالات معنوية ذكرتني بما كان يحدثني به اليمنيون عن بعض أعراف وعادات القبائل... فأتذكر أن هناك أعرافاً قبلية حتى لموضوع «الثأر».. فقبائل اليمن تحرم أخذ الثأر في يوم جمعة باعتباره عيداً للمسلمين.. كذلك تحرم أخذ الثأر إذا كان «الغريم» يصطحب امرأة أو طفلاً، إذ مازال في القلب رحمة وإنسانية تترجمها تلك التقاليد رغم أن الموضوع «قتل نفس»!! كما أن هناك أعرافاً يمكن أن ننسبها للشجاعة - رغم أن موضوع الثأر مخالف لقيم الدين - فيقال: إن كثيراً من القبائل تحرم أخذ الثار من «الغريم» إذا كان أعزل لا يحمل سلاحه..! كما أنها تشترط على طالب الثأر إذا ظفر بغريمه، وكان غافلاً، أن ينبهه ويناديه باسمه، حتى إذا التفت إليه قال له: هذا ثأر فلان ابن فلان، ثم يقتله..! وكما قلنا: إن الثأر سلوك جاهلي مخالف للدين وشريعة الإسلام.. لكن رغم كونه كذلك إلاَّ أنه كان يمارس بتقاليد وأخلاقيات معينة لا تخلو من بعض الرحمة والإنسانية.. ولو قارناه اليوم بما يرتكبه الإرهابيون من جرائم لوجدنا أنهم تجردوا حتى من سلوك الجاهلية الأولى، ومن قيم حتى كفار قريش الذين لم يقتحموا بيت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلاّ بعد أن قيل لهم: إنه غير موجود فيه، وأن ثمة من رآه يغادر مكة.. والمفارقة أنهم عندما دخلوا البيت ووجدوا الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) في فراشه، لم يقتلوا «علياً».. ولم يقل أحد منهم إن (الطارف غريم)!! فيا ترى إلى أية أمة أو دين أو قبيلة ينتمي الإرهابيون الذين يهددون الوطن وينفذون جرائمهم في كل مكان،وزمان، وكيفما اتفق معهم الحال.! ويقتلون النساء في وضح النهار..! فهل أصبح الشيطان يتجسد في هيئات أشخاص ويعلن حرباً مفتوحة ومباشرة ضد عالمنا الإسلامي!؟ سؤال يحتاج إلى تأمل الجميع ليحدد كل منا الخندق الذي يقف فيه.