بداية عيد سعيد وإجازة سعيدة وممتعة ، أتمنى أن يكون الجميع قد قضاها بين الأهل والأحبة والأصدقاء ، وأتمنى أن يكون الجميع قد عادوا إلى مقرات عملهم لمزاولة مهامهم الوظيفية دونما تساهل أو تهاون بعد إجازة امتدت لأكثر من تسعة أيام ولم يعد هنالك ما يبرر للبعض تمديد إجازتهم بشكل مزاجي ، كون ذلك أولاً وأخيراً ليس في مصلحتهم «والحليم تكفيه الاشارة في هذا الجانب» . وخلال إجازة العيد لهذا العام استوقفتني العديد من القضايا التي لمستها منها الايجابي - ومنها السلبي على الصعيدين المحلي والعربي وهي بالمناسبة قضايا عديدة من الصعب الاحاطة بها في هذه العجالة ولذلك سأكتفي بعرض نموذج لكل منهما ، فعلى الصعيد المحلي برزت خلال إجازة العيد بما فيها الستة الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك - أعاده الله علينا باليُمن والخير والبركات - ظاهرة إيجابية أفرحتني ومعي الغالبية العظمى من أبناء شعبنا اليمني الأصيل ألا وهي تراجع أعداد الحوادث المرورية المؤسفة التي كانت تشهدها بلادنا في هذه المناسبة من كل عام وهو الأمر الذي حد من الكم الهائل من الضحايا من قتلى ومصابين ممن يسقطون ضحايا للحوادث المرورية والتي بلغت احصائياتها نسبة عالية ومخيفة تفوق ضحايا الحروب والصراعات الدموية فيما بين الدول ، وهذا التراجع أسهم في عدم تعكير صفو العديد من الأسر وحال دون إفساد فرحة العيد نظراً لعدم مخلفاتها المأساوية ومعايشتها بحزن وحرقة وأسى يجعلهم لايشعرون بفرحة العيد ويحجمون عن ممارسة أية طقوس من طقوسه المفعمة بالسعادة والبهجة والسرور وهو ما يستوجب منا توجيه كل عبارات الشكر والتقدير والعرفان لكل من أسهم في تأمين الطريق وتسهيل مهمة نقل المسافرين والتزم بالارشادات والتعاليم الصادرة عن الإدارة العامة للمرور وهو مؤشر طيب يؤكد حدوث تغيير ملحوظ في نسبة الوعي والتفهم من قبل السائقين وأصحاب المركبات والذي أتمنى أن يستمر ويتنامى هذا الوعي مستقبلاً لضمان تراجع نسبة الحوادث المرورية للحفاظ على سلامة المسافرين وحياتهم. وعلى الرغم من السعادة والارتياح الذي شعرت به إزاء ذلك إلا أنه في المقابل لم يخلُ العيد من المنغصات والمواقف المحزنة والمؤلمة ومنها على المستوى المحلي والعربي وسأكتفي بالمستوى العربي وفي العراق على وجه الخصوص ، حيث يشهد العراق منذ الاحتلال الأمريكي له جرائم وحشية وعمليات انتحارية وحشية قريبة الشبه بعمليات الابادة الجماعية يقوم بها جنود الاحتلال من جهة والارهابيون والقوى العميلة التي تهدف إلى تدمير العراق واستمرار نزيف الدم الذي يسيل يومياً بلا رحمة أو شفقة حتى في شهر الرحمة والغفران ، حيث استمرت عمليات التفجير الارهابية التي تستهدف المدنيين الأبرياء مخلفة آلاف القتلى والجرحى في وقت تقف قوات الاحتلال الأمريكي متفرجة وكأنها مستأنسة بما يجري رغم أنها تزعم أن دخولها العراق يهدف إلى دعم الأمن والاستقرار في ربوعه .. فأي أمن واستقرار هذا الذي يذهب ضحيته مايفوق ثلاثة ملايين قتيل ومئات الآلاف من المصابين والجرحى . على العموم مضى شهر رمضان وكنت أتوقع بأن يكون العيد محطة فرائحية تتوقف خلالها عمليات سفك الدماء وإزهاق الأرواح في بلاد الرافدين ولكن توقعي لم يكن في محله وإذا بآلة الخراب والدمار وإزهاق الأرواح ماضية في عملياتها الوحشية وبدت العناصر الإرهابية المتطرفة أكثر استماتة على العمليات الانتحارية والتفجيرات وحوادث اطلاق النار الموجهة صوب الأبرياء من الأطفال والنساء والرجال من أبناء شعب العراق «الشقيق» لتطالعنا الفضائيات العربية بصور ومشاهد يندى لها الجبين لضحايا عكّر الإرهاب والإجرام فرحة العيد عندهم وعند أهلهم وذويهم ، أجساد بشرية تحولت إلى أشلاء، أنهار من الدماء تعج بها الشوارع والاحياء المستهدفة تحولت معها فرحة العيد إلى كابوس مخيف صبغ أجواء العيد باللون الأحمر لون الدم الذي عاشته ولاتزال تعيشه الكثير من المدن والاحياء العراقية وهو مادفع بالكثير من الأسر إلى تأجيل الاحتفاء لحين استقرار الأوضاع الأمنية حفاظاً على أرواحهم بعد أن جعل هؤلاء القتلة والمجرمون المواطنين المحتفين بالعيد هدفاً لأعمالهم الوحشية والتي بلغت حداً لايطاق. وأمام كل هذه الوحشية وكل هذه الجرائم البشعة آن الأوان أن ترفع أمريكا يدها عن العراق وتسحب قواتها المحتلة للأرض العراقية ليتمكن العراقيون من لملمة أوضاعهم وتطبيب جراحهم وآلامهم والعودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الاحتلال الأمريكي وفرض سيادة العراق على كل شبر في ثراها الغالي والتحرر من الاحتلال والوصاية من أية جهة كانت والبدء بتدشين مرحلة جديدة لدولة عصرية تمتلك كل مقومات النهوض والتطور يسودها الأمن والاستقرار والطمأنينة،مرحلة يكون فيها النظام والقانون هو السائد ويكون الدم العراقي خطاً أحمر مثل لونه لايمكن لجنس بشر سفكه ظلماً وعدواناً ويتفرغ العراقيون لإعادة إعمار وطنهم واعلاء المصلحة العليا للعراق دون النظر إلى الخلافات الطائفية والمذهبية والصراعات السياسية اللاهثة وراء المطامع والاهواء الشخصية . ولابد هنا أن يكون لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والدول الفاعلة في المنطقة إسهام فاعل في تجاوز العراق لأزمته الراهنة التي تتطلب تضامن الجميع ووقوفهم وقفة صادقة للعودة بهذا البلد المعطاء إلى سابق عهده وطي صفحة الماضي ومنغصاته وإلى غير رجعة وفتح صفحة جديدة كل هدفها وغاية مناها بناء عراق جديد مستقل وآمن ومستقر لتعود الحياة لأبنائه وتعود الفرحة والابتسامة لترتسم على محياهم ويأتي العيد وينعم بأجوائه الفرائحية الجميع دون خوف أو رعب آمل ذلك.