تأسرني الفلسفتان التاوية والبوذية؛ لأن لهما علاقة بالطبيعة. التاو فلسفة الفراغ بوصفها الحالة الجوهرية للطبيعة، وهذا الفراغ لا يتصل بالمرئي، بل أيضاً اللامرئي، ودلالة الفراغ يتمثل في الماء والهواء، والخلاصة أن مانراه فراغاً ليس إلا امتلاءً، وتبعاً لذلك فإن كامل المنظومة الشعرية والفنية التشكيلية والكتابية، وحتى السلوكية، تنظر للفراغ بوصفه الحامل للسر الأكبر الكامن في التأمل لحركة الطير والمياه والأنسام والرمال.. تأمل الفراغ المتناهي على المدى الطويل.. وفي التوحد مع النفس من خلال إلغاء العوارض والحواجز، فالتاو فلسفة تحقق المثال من خلال الاستحالة، وإمكانية النظر من خلال سديم العماء اللامرئي. البوذية أيضاً هي فلسفة تقوم على تأمل الطبيعة وتعتبر أنه ما من شيء في الطبيعة يستطيع أن يؤكد ذاته إلا بكل ما في الطبيعة، فمثلاً: الورقة من شجرة، والشجرة من تراب، والتراب منك، فإذاً أنت أمام كل شيء في الطبيعة، فالواحد هو ترميز لكل شيء، والكل لا معنى له إلا بالواحد، وهذا الكلام يعتد به البسطامي الصوفي، فعندما سألهم أحدهم أن يعد أرقاماً قال : واحد، واحد، واحد!.. وكأنه يقول : إن الواحد متعدد، وأن التعدد واحد. هذه هي البوذية. أنا أرى أنه إذا اعتقد الإنسان يقيناً أن لكل واحد ثان وثالث، وأن هذا التعدد مُتفاعل مع النفس ومتداع معها، وأن الأدوار تكاملية قائمة على مثل ذلك التشابه، لا فرق بين إنسان وشجرة. إذا تأملنا جيداً هذا الأمر سنجد أن الوظائف الحيوية، وأن التمظهرات التفصيلية تؤول إلى جوهر واحد. هذا يعني أننا بحاجة لأن نلتفت للآداب الشرقية، ولنقرأ هذه الآداب لأن فيها جزءاً كبيراً من هذا التساؤل. لهذا السبب، أنا أؤمن بشكل قطعي بأن الحكمة هناك، لأنهم ما دخلوا في مأزق الجدل العقيم البيزنطي بين الوعي والوجود، بين الظاهر والمستتر، فاختزلوا كل هذا الجدل؛ لأنهم اعتبروا الظواهر التعددية استتباعاً جبرياً لواحدية الكون.