هل يمكن أن تصلح الحياة بدون مصلحين ؟ فأين هم المصلحون؟ هل هم نيام ؟ أم أنه لاوجود لهم في الأصل ؟ أم أنهم مغلوبون على أمرهم ولا حيلة لهم فيما جرى ويجرى وسيجرى من خطوب ومحن وأزمات تتكشف لنا عياناً وجهرة في وضح النهار على صورة ارتفاع متصاعد في الأسعار . حيث صار الكثيرون يعيشون في رعب قاتل فيما سيأتي به الغد من عجز للإنسان في مواجهة أعباء تكاليف الحياة. وكيف يستطيع الإنسان أن يشعر بالأمان وهو لم يعد قادراً على تأمين حاجة عياله وأسرته للقوت الضروري وتأمين حاجتهم كالماء النقي وتأمين المسكن المناسب لأفراد أسرته بعد هذا الارتفاع الفاحش للمعيشة قياساً لماهو عليه حاله فيما يكسبه من تجارته أو من مهنته أو مما يحصل عليه من وظيفته ؟! وعندما نضيف هم الأولاد وما يحتاجون من كتب ودفاتر ولوازم مدرسية وملابس خاضعة لمزاج مديري المدارس الغائبين عن الوعي فيما يواجهه الناس من صعوبات في قدرتهم على توفير الألوان والأوصاف والشروط التي يرتئيها أولئك المديرون أو المديرات من أصحاب الذوق الرفيع كأنهم لا يعلمون أن أذواقهم الرفيعة هذه تكلف الناس شططاً ، وتملأ قلوبهم فزعاً ونفوسهم غيظاً وحنقاً.. فأين المصلحون الذين لا تصلح الحياة إلاّ بهم ؟ يضعون اللبنة الأولى لبناء المجتمع بداية من الأسرة ؟ كيف ننشئها ؟ كيف نعد الأم والأب ليكونوا مربين يعرفون كيف يتعاملون مع أبنائهم وبناتهم قبل أن تظهر أسنانهم اللّبنية، ينشئونهم على الصدق والوفاء والمروءة والتسامح وحب الآخرين ، ليس من خلال الخطب والمواعظ والتوجيه والإرشاد وإنما من خلال القدوة الطيبة والمعاملة الحسنة، فيما بين الآباء أنفسهم وفيما بين الآباء وجيرانهم وأصدقائهم وذوي قرابتهم. نريد مصلحين على مستوى الفضائيات وعلى مستوى الراديو وعلى مستوى المسجد وعلى كل مستويات مخاطبة الجماهير .. نريدهم أن يكونوا مصلحين حقيقيين تلامس كلماتهم شغاف القلوب ونستعيذ بالله من أولئك الذين تتواثب كلماتهم فتقرع السمع قرعاً ، لكنها (أي كلماتهم) لاتذهب أبعد من طبلة الأذن ولا تجد طريقاً تنفذ إليه إلى القلب أو النفس أو العقل فتسقط إلى الأرض تزاحم الأشياء التي سبقتها في السقوط.. نريد مصلحين حكماء أو حكماء مصلحين ، يضعون أيديهم على الداء ، يشخصون المرض ، يعرفون أسبابه ، ولا يستعجلون العلاج إلاّ بعد وضع منهج للمعالجة كما يفعل علماء الدنيا حكماؤها عندما يتصدون لحالة مرضية مزمنة مستعصية. ويسأل سائل ما علاقة المصلحين بالغلاء وارتفاع المعيشة والأسعار وهنا يأتي دورنا للإجابة على هذا التساؤل بطرح عدة تساؤلات ، يأتي في مقدمتها سوء تعامل الإنسان مع مافي حوزته أو حوزة غيره من إمكانات مادية يذهب معظمها هباء لا يستفيد منها أحد. فهذه ربة الأسرة لم تمض يوماً لا ترسل إلى صندوق القمامة كميات من بقايا الطعام ، كانت الأسرة أحق في المحافظة عليها والاستفادة منها ، لأنها لم تجد من يعدها إعداداً صحيحاً للتعامل مع المطبخ فتأتي بناتها نسخة منها يعدن نفس السلوك كما لو كان هو السلوك الوحيد الذي لابديل عنه في التعامل مع ما تبقى من الغذاء .. كم من الأموال تذهب هدراً بسبب الغش والكذب والأيمان الفاجرة عند شراء أي سلعة غذائية فما أن يكشف الإنسان بضاعته التي اشتراها سليمة أو هكذا كان ظنه حتى يجدها معطوبة فيذهب معظمها إلى صندوق القمامة ، فالجزار يغشك وبائع الأسماك يغشك وبائع الموز والطماطم وبائع التفاح ، الجميع يحلف الأيمان المغلظة أن بضاعته سليمة ، فإذا بك تجدها في معظم الأوقات عاطبة أو مضروبة أو ماشئت من هذه الصفات التي تشير إلى أنها غير سليمة.. أليس في ذلك تبديد لإمكانات هي في الأصل شحيحة ؟.. ألا تظن معي أننا في حاجة إلى حكماء ومصلحين يوجهون الناس في المساجد وفي كل وسائل الإعلام المتاحة. لماذا نستورد كل شيء ؟ ألا تلزمنا حدود نقف عندها ؟.. هناك سلع لالزوم لها وهناك سلع ضارة يستوردها تجار عابثون لايشعرون بأي ولاء للوطن ولا يملكون أي وازع من أي نوع يستوردون الطماش فما قيمة الطماش ؟ ويستوردون الكيماويات والهرمونات والسموم مختلفة الأنواع والأضرار من أجل ترويج زراعة القات وزراعات أخرى كانت مفيدة للإنسان فحوّلوها إلى أنواع ضارة من الخضروات والفواكه !!! يأتي السؤال : ماذا نصدِّر للعالم الخارجي ؟ ولماذا نحن في مقدمة المستوردين وفي مؤخرة المصدرين ؟ فأين الحكماء والمصلحون في مجال الزراعة والصناعة والاقتصاد ؟ أليس عيباً في حق أمة مثل أمتنا أن يتحول وزراؤها وموظفوها الكبار إلى مجرد أرقام بدون فاعلية .. دون أن يظهر فيهم مصلح اقتصادي واحد.. ألم تستطع اليمن أن تنجب خبيراً واحداً ينهض بالزراعة فيضع خطة أو برنامجاً أو منهجاً تستطيع بلادنا أن تزرع الحبوب والخضروات تفيض عن الاكتفاء الذاتي وتؤهلنا أو بالأصح تؤهل بلادنا أن تصدر إلى العالم الخارجي الخضروات والفواكه ؟ أي خيبة هذه التي تجعلنا لا نستفيد من كمية الأمطار التي تهطل في بلادنا ونتعلل دائماً بالجفاف وشحة المياه ، في حين أن مطرة واحدة نجدها كافية أن تغطي حاجتنا لمياه الري فترة غير قصيرة فما بالكم بالعديد من الأيام الممطرة ؟ الموضوع لم ينته بعد .. موعدنا معكم في نفس المكان في الأسبوع القادم إن شاء الله.