الدبابات... مسمى لا يعني تلك الآلة العسكرية المستخدمة في الحروب، وتستعمل كآلة حاسمة في المعارك لما تتمتع به من قدرة وإمكانيات وتحصين يجعلها قادرة على اقتحام الميادين بمختلف تضاريسها، بقدر ما نعني به الحافلات، الناقلات للركاب، وعلى وجه التحديد تلك التي تخصصت في نقل الطلبة من وإلى حبيل سلمان. فالبالغ عبر الطلبة ذكوراً وإناثاً، ومن الإناث على نحو خاص أن عدداً من أولئك الذين يقودون الحافلات ليسوا على درجة من الخلق والانضباط فهم في غالبيتهم من المراهقين، ولذلك فهم يقودون حافلاتهم بروح ونفس المقاتلين الذين يقودون «دبابات» فلا يلتزمون بقواعد ولا يحترمون مشاعر الركاب، فالأغاني على مختلف مذاهبها وبأصوات تبلغ عنان السماء هي المرافق لهم، ومن ثم فهم يمارسون الإيذاء على نحو مقصود، وقد سبق الكتابة عن هذا الموضوع منا ومن غيرنا وفي أكثر من صحيفة، بل إن الأمر وصل إلى درجة رفع شكوى من الطالبات وأولياء الأمور إلى وزير الداخلية. وقرأنا في صحيفة الجمهورية خبراً عن استجابة الوزير، ولكننا لم نلمس على الواقع إلا معركة بين منظمي حركة الدبابات على بوابة جامعة تعز، أي في الشارع حيث ترسو الدبابات. إن هذه المعركة التي امتدت من الحافلات إلى خارجها والتي استخدمت السلاح الناري على حد ما قيل، تدل على المدى الذي بلغه هؤلاء في استهتارهم بالنظام والقانون، ثم كيف يحمل هؤلاء سلاحاً نارياً في ظل حملة نزع السلاح، مع العلم أنها تكاد تكون حالة عامة عند معظم المراهقين الذين يقودون الدبابات، فهم من أهل المقاطب والربطة الخاصة على الرأس، ومن «المخزنين» بشكل لافت، وعلاوة على ذلك يتسمون بجلسة خاصة لا توازن فيها وهم يمسكون بعجلة القيادة.. والشيء اللافت للانتباه، والمستفز إلى درجة كبيرة أن عدداً من هؤلاء السائقين يصطحبون معهم مرافقاً أو أكثر يشترط فيه «التمتع بنفس مواصفاتهم» ليتعاونوا على الإثم والعدوان، ويشكلون فريقاً في العدوان والإيذاء.. وهناك ملحوظة أخرى، أن نسبة من هؤلاء يشكلون عصبة إذا تخاصم أحدهم مع سائق مركبة أخرى، اشتركوا في إيذائه، وإذا تطلب الأمر من وجهة نظرهم تأديبه على حد تعبير بعضهم يجدون أنفسهم يداً واحدة في إجراء «التأديب». إن كثيراً من الأخبار عن عدد من هؤلاء تفزع المرء وتجعله يتساءل كثيراً، هل نحن في مدينة بلا نظام ، هل نحن في مدينة لاسلطة تنظم حركة هذه الحافلات، وتعيدها سيرتها الحقيقية وتنبه القائمين عليها.. إنهم يسوقون مركبات عادية، وليست دبابات وإنهم يسيرون على الأرض وليس في فضاءات أخرى، ومن ثم فعليهم أن يضعوا في حسابهم أن آخرين يشاطرونهم الطريق، ويعيشون معهم على نفس البسيطة، ويشاطرونهم الحق في استعمالها. لقد دفعني إلى الكتابة ما يصلني من شكاوٍ من أبنائي وبناتي الطلبة، ورأيت من الواجب وفق المشاهدة أن أسطر هذا المقال وأنبه إلى هذه الظاهرة المؤسفة التي أنا على ثقة أن المسئولين قد احيطوا بها علماً، بل أنا على يقين أن لديهم معلومات تفوق كثيراً ما سطرناه هنا، وما سطر من قبل من غيرنا وفي العديد من الصحف.. إن المسئولية تفترض على من يتحملها أن يؤديها على نحو كامل، ومن ثم فالمنطق يقول: إن على الجهات المعنية في الأمن والمرور، والسلطة المحلية، أن تضع شروطاً ومعايير لمن يعتلي عجلة القيادة لهذه المركبات بخاصة والمركبات جميعها بعامة، وإن على الجنود الذين ينتشرون على كل جولة ومنعطف، وأمام كل مؤسسة ومنشأة أن يكون لهم أعين يرقبون فيها من يعتدي على الطريق وينتهك حقوق المارة المشاة، ومن يعتدي على حق الراكب ويؤذيه... وعليهم أن ينبهوا أن الحافلات والسيارات الأجرة، ليست «استريوهات» لأحدث الأغاني والموسيقى المحلية والعربية والعالمية، بأنواعها ومدارسها... فالركاب ليسوا جميعاً من الذين تشدهم هذه الأمور، فضلاً عن ما تمثله مثل هذه السلوكيات من إيذاء للطالبات بخاصة، والمرأة المستقلة لهذه المركبات بعامة.. إننا لا نبالغ، إذا شددنا على ضرورة المتابعة والتدقيق في سلوكيات السائقين لحماية المواطن، بل نعتقد أن هذا من أبجديات المسئولية، ومن أبسط المعاني التي تعكس الانتماء وتحترم حقوق المواطنة... فهل نسمع شيئاً يسرّ في هذا المضمار... وهل نرى تنظيماً حقيقياً للحركة المرورية بضوابط تحفظ حقوق الركاب جنباً إلى جنب مع حقوق السائقين وأصحاب المركبات، وإنا لمنتظرون. تهنئة للعزيز فكري قاسم: سعدت كثيراً بحضوري تدشين باكورة إنتاج العزيز فكري في مطبوع وإصدار يحتويه، وهذا إصدار جمع بعضاً من تنفساته على صدر الصحف تعبيراً عن هموم واختلالات، ومواطن ضعف، وممارسات لا تلتزم بمسئولية ولا ترقب وطناً، ولا تنظر إلى مصلحة، فهنيئاً للعزيز إصداره الأول، وهنيئاً للقراء اقتناؤهم لهذا الإصدار الذي يشكل لوحة تجمع في ألوانها كل مايعيش ويعشعش في أذهانهم، ويسيطر على تفكيرهم، ويقلبونه كل لحظة وساعة سعياً نحو النفاذ منه والخلاص من كابوسه. وشكراً لمؤسسة السعيد احتضانها التدشين، وشكراً للأستاذ شوقي أحمد هائل حضوره واهتمامه، وشكراً له وللأخ عبدالجبار هائل تشجيعهما للمبدع فكري.. وإنا نتطلع أن تتحول هذه البادرة الطيبة، إلى ظاهرة تمتد لترعى كل المبدعين الشباب الذين يتلمسون طريقهم، في طريق يندر فيها من يعين. والله من وراء القصد.