كثيرة هي المظالم التي دأب أصحابها على اللجوء بها إلى مناشدة الأخ رئيس الجمهورية بحثاً عن حلول منصفة، غير أن ذلك وإن كان في بعض مسوغاته يعبر عن ثقة شعبية بشخص الأخ الرئيس، لكنه أيضاً قد يكون مؤشراً في كثير من حالاته على اختلال في آليات عمل بعض المؤسسات الحكومية التي تتعاطى مع تلك المظالم. فعندما يتاح لأحدنا الاطلاع على نماذج من تلك المظالم التي يناشد بها أصحابها الأخ رئيس الجمهورية تداهمنا رغبة جامحة للتساؤل : يا ترى لماذا يلجأ صاحب قضية خلاف على بضع أمتار أرض، أو من قطعوا عليه المعاش، أو تأخرت إجراءات توظيفه إلى الرئاسة، رغم بساطة قضيته، وسهولة البت فيها.؟ قد يعني الأمر في شق منه أن صاحب الشكوى لم يجد أذناً تسمعه في المؤسسة المعنية، إما لصعوبة وصوله إلى قيادتها العليا بسبب الفجاجة المعهودة لدى الكثير من مديري المكاتب، أو لسوء مزاج المسؤول نفسه الذي يزعجه فتح باب مكتبه لعامة الناس، وحصر المقابلات على ذوي المناصب والوجاهات، أو في بعض الأحيان لغياب الإحساس بالمسئولية الوطنية التي تفرضها وظيفته كراعٍ لمصالح أبناء شعبه. لكن البعض لا يدخل تلك الحسابات، لأنه يتخذ من البيروقراطية مظلة لفساده، حيث إن تعقيد الإجراءات وغياب الشفافية في العمل الوظيفي، قد يدفع الكثيرين للبحث عن طريق الفساد القادر على فك كل الأبواب المغلقة، واختزال كل الخطوات والشروط.. وعندما يجد المواطن البسيط نفسه عاجزاً عن السير في ذلك الطريق المكلف، يرى أن أفضل الخيارات هو مناشدة رئيس الجمهورية، حيث إن أبواب رئاسة الجمهورية لا تتطلب أي جهد كبير لعبورها كما هو حال أبواب مكاتب بعض المسئولين. لكن الظاهرة الغريبة التي تستحق فعلاً من الحكومة دراستها هي ظاهرة تداخل الاختصاصات الوظيفية وغياب الاحترام لسلّم المراكز الوظيفية، حيث إن الكثير من المواطنين يحصلون على قرارات أو توجيهات وزارية تحمل توقيع الوزير أو أحد وكلائه، لكن موظفاً صغيراً يرفض تنفيذها، وعندما يعود المواطن إلى جهة إصدار التوجيه لإبلاغها يقال له :«خلاص قد معاك توجيه صريح ما نفعل لك». أعتقد أن لدى جميع المؤسسات لوائح وظيفية تنظم العلاقة بين مختلف مراكز السلم الوظيفي. إذن لماذا لم يسبق لأحد من مسئولي الحكومة أن عاقب موظفاً بسبب رفضه تنفيذ التوجيهات العليا، رغم علم الجميع أن رفض التنفيذ ماهو إلا عقبة توضع عمداً في طريق مصالح المواطنين بقصد ابتزازهم وإجبارهم على دفع الرشاوى مقابل الإقرار بصلاحية التوجيهات. لو تفحصنا القضايا التي يرفع بها المواطنون مناشدات لفخامة رئيس الجمهورية لوجدناها جميعاً تطالب بتنفيذ توجيهات سابقة، وأوامر، وأحكام رفضت بعض الجهات تنفيذها تحت ذرائع مختلفة، وهو ما يؤكد أن الكثير من مشاكل المجتمع لا يتطلب حلها أكثر من حزم وظيفي من قبل القيادات العليا للمؤسسات الحكومية أو تغيير تلك القيادات التي يثبت أنها أصدرت توجيهات خاطئة ومخالفة للقوانين. وطالما والدولة ماضية ببرنامج إصلاحات واسع فلابد من الأخذ بنظر الاعتبار هذه الظاهرة وإيجاد الآليات المناسبة التي تضع حداً للعابثين باللوائح الوظيفية والمعطلين لمصالح الناس مهما كانت مبرراتهم لذلك.