بعيداً عن المكابرة، ومجافاة ما يعتمل في النفوس من قلق، لم يعد أمام الأقلام غير الإقرار بما أفضت إليه ساحة التعددية الحزبية من خلط مخيف لأوراق اللعبة السياسية، والتجربة الديمقراطية، والثقافة الشعبية، وحتى دلالات الفلسفة الفكرية، بعد ما أفرز الخطاب الحزبي من قصور في الوعي الديمقراطي، وخروج على الأدبيات السياسية، وانسياق أعمى وراء المغامرات غير محسوبة العواقب التدميرية.. فالمشهد الأخير الذي تلعب أدواره قوى مختلفة بعضها شرعية، وبعضها الآخر قائمة بصورة غير دستورية لا يمكن اطلاقاً أن يسدل ستاره على غير نهاية تراجيدية كارثية تحمل أجيالنا لعنتها التاريخية لأنها سلمت مقاليد صناعة الحدث السياسي لقوى جل ثقافتها فقه الأزمات، وأبعد ما تصل نظرتها جيوبها. فإن كان مثقفو اليمن من كتاب وأدباء ومفكرين وعلماء دين وأكاديميين قد أخلوا مواقعهم في الساحة المجتمعية لقوى انتهازية، أو وصولية، أو فاسدة باختلاف انتماءاتها السياسية، ومشاربها الثقافية، فإنهم اليوم مطالبون لمعاودة تحمل المسئولية، وتقويم الوعي المجتمعي، والوقوف بوجه صوت الخراب الهادر من أرجاء مختلفة من اليمن.. ولا عذر لأحد منهم طالما وقد بلغ التمادي حداً لا يطاق، ولم يعد الرهان على الديمقراطية، بل على سيادة وطنية، وأمن وطني، وسلام اجتماعي، ووحدة يمنية. على امتداد أكثر من عامين والأحزاب السياسية تتراشق الخطاب المأزوم،وتنمي في النفوس ثقافة الكراهية، والعنف، حتى أمسينا نغفو على دوي القنابل التي تستهدف المراكز الانتخابية، وأزيز الرصاص ، وهتافات عنصرية مناطقية.. فيما هذا الشارع الشعبي الذي صالت وجالت فيه جميع الأحزاب بغير استثناء لا يجد اليوم من يفرز له الحقائق بصدق واخلاص، ويسمي له الأمور بمسمياتها الحقيقية، فالكل يبرىء نفسه ويكيل اتهاماته للآخر حتى ضاعت الحقيقة. أعتقد بقوة أن الساحة اليمنية اليوم مهيأة أكثر من أي وقت مضى لنزول مثقفي اليمن إلى الشارع، وتحريكه مجدداً بوعيهم وحكمتهم وثقافتهم الوطنية الصادقة، بل وقيادته إلى ما فيه خير اليمن وشعبها بعيداً عن أية انتماءات سياسية أو ولاءات قبلية ومذهبية ومناطقية وغيرها من الولاءات والعصبيات التي تحاول جر اليمن إلى الفتنة واشعال الحرائق وإراقة دماء الأبرياء تحت شعارات زائفة، وخطابات مأزومة. من هذا المنبر الحر أدعو المثقفين اليمنيين للنزول إلى الشارع بحشودهم الغفيرة وبعقولهم النيرة، وإعلان رفضهم بقوة لكل أشكال العنف، والتحريض، وخطاب الكراهية المسموم،والدعوات الانفصالية، والارتباطات الخارجية،.. فليتحرك مثقفونا في كل محافظات الجمهورية ويقولوا كلمتهم الصادقة، ويزاحموا كل الأحزاب الحاكمة والمعارضة في الشوارع ويزمجروا بأصواتهم النظيفة حتى يسكتوا كل صوت لا يهتف لليمن ووحدتها وأمنها وسلامها. اليوم أصبحت أمانة الوطن في عاتق كل المثقفين في مختلف الأحزاب السياسية لأنهم وحدهم من يمتلك الوعي والمنطق السليم وبعد النظر، والقدرة على تصحيح وعي الشارع.. فقد رأى الجميع كيف حصدت الفتنة في العراق رؤوس المثقفين أولاً، ولم يشفع لهم عذر.. لأن القوى الحاقدة تدرك جيداً أنهم السلاح الفتاك الذي لا يصمد أمامه المراهنون على جهل الشارع.