جاءت فقرة في كتاب «توطين العلوم» تشير إلى أن أي بحث أو دراسة عن أسباب الفشل والقصور والتقهقر والتخلف واستقصاد التنمية خارج العملية المعرفية، هو تكريس للفشل وهدر للطاقة وإضاعة للعمر وضرب في الحديد البارد، وأن أي اهتمام بالشكل دون المضمون وبالصورة دون الحقيقة هو تكريس للوهم وخلط بين التكريس والإبداع وبين الاستيراد والاستنبات وبين التقليد والاجتهاد والتوليد.. وردت هذه الفقرة في سياق المقدمة التي اختارت كلمة «اقرأ» باعتبار القراءة وتحصيل المعرفة والعلم والتعلم والتعليم هو مفتاح هذا الدين وإدراك قيمه ومعرفة أحكامه، وهو سبيل النهوض والارتقاء بالإنسان والعمران.. كما تشير المقدمة إلى أن أية إصابة للعملية التعليمية والتربوية في أبعادها المتعددة أو أي خلل في تركيبها النوعي أو في ملاءمتها الاجتماعية سوف ينعكس على جميع أنشطة الحياة وفعالياتها وفي مقدمتها الإنسان، وسيلة النهوض وهدفه في الوقت ذاته.. ونستخلص من ذلك هو أن هناك وجوهاً متعددة للعملية التعليمية والتربوية، فلو أخذنا جانباً منها مثل إقامة المخيمات الصيفية فإنه يتعين علينا أن نتساءل: لماذا تقام المخيمات الصيفية في بعض محافظات الجمهورية؟ وما الغرض من إقامتها؟ هل ذلك لمكافأة الطلبة على سبيل المثال، على ما أبلوا من بلاء حسن أثناء العام الدراسي؟ فإننا نعلم من الواقع المرئي والمسموع أن الطلبة في معظمهم لم يبذلوا أي مجهود يستحقون عليه المكافأة والتكريم.. هناك العديد منهم يتسربون من المدارس حيث نجدهم في الأسواق يخالطون العاطلين ويتسكعون هنا وهناك، يملأون صالات الألعاب الاليكترونية والشبكة العنكبوتية في مقارفة برامج سخيفة وتافهة، تضيف إلى عقولهم وهناً على وهن وسخفاً على سخف، تزين لهم الانحراف، فإذا بالبعض منهم وقد صاروا عبيداً لأهوائهم ونزواتهم، حيث يتعرض بعضهم لتشوّه خطير في أخلاقهم وسلوكياتهم وفكرهم وثقافتهم.. وفي آخر العام تبدو لهم المقررات كما لو كانت «طلاسم» يرونها للوهلة الأولى، لم يجمعهم بها سابق معرفة.. وهنا يدب النشاط في أوصالهم.. نشاط اليائسين، ليس من أجل العلم وإنما من أجل الانتقال من مرحلة إلى مرحلة.. أم هل تقام المخيمات الصيفية لإعادة تأهيل وإعداد الطلبة علمياً وسلوكياً ونفسياً لإعادتهم إلى مرحلة ما قبل التماس مع الشارع الموبوء بكل أنواع العاهات والتشوهات السلوكية والأخلاقية؟ وعوداً على بدء فإننا نشير إلى أن أسباب الفشل والقصور والتخلف التي تعاني منه المدارس والمخيمات الصيفية لايمكن أن تأتي من خارج الممارسات التعليمية والتربوية وأي توجه أو اعتقاد يلقى باللائمة على غير الكوادر التربوية ومن يقف خلفهم من مدمني السياسة ومحترفي التنظير في الشئون التعليمية فإن ذلك لايعني سوى تكريس للفشل وهدر للطاقة وإضاعة للعمر وتكريس للوهم ولو استطاع المنظرون أن يحققوا القليل من الأهداف العلمية والتربوية لكان هذا القليل من الأهداف لو تحقق يفوق في أهميته وفائدته ذلك الكم الهائل من الصراخ والادعاء لصالح الإنجازات الوهمية التي يزعم أصحابها أنها قد تحققت بفضل عبقريتهم!! أبناؤنا لايحسنون القراءة ولا الكتابة في المراحل العليا من الدراسة، ولايحسنون الأدب ولا السلوك ولا حسن التعامل مع الآخرين، ثم يأتي من يزعم أنه قد تحققت على يديه إنجازات باهرة في تربية الشباب وإعدادهم للحياة، وتأهيلهم للمستقبل في خدمة أمتهم ووطنهم وعقيدتهم!! شبابنا لايحسنون حرفة ولايتقنون صنعة وليسوا مؤهلين أن يقفوا على أخطائهم ويعترفوا بها!!! نحن بحاجة اليوم إلى تربويين لوضع خطط وبرامج للشباب في الاستفادة أو للاستفادة من العطلة الصيفية أكثر من حاجتنا إلى سياسيين يفسدون هذه الخطط والبرامج. نحن بحاجة إلى تربويين يقررون هذا العام أن يحُولوا بين السياسيين وبين وضع برامج الشباب لأن هذه البرامج لاتصلح أن تقام أو تبنى على أهواء النفوس، فلابد أن تزاح جانباً الأمزجة الشخصية.. والذين كانوا مسئولين عن إخفاقات برامج الشباب في السنوات الماضية، لايحق لهم أن يكونوا قدراً مسلطاً على هذه البرامج في كل عام.. حتى وإن ظنوا أنهم قد حققوا إنجازات غير مسبوقة.. والدليل في أنهم لم يحققوا سوى العجز والفشل هو أنهم لم يحددوا مشكلة، ولم يضعوا أهدافاً ولم تكن لهم رؤية عن كيفية الوصول إلى تحقيق الأهداف!!.. طلابنا يعانون والمدارس تعاني والأسر تعاني، ويدفع الوطن ثمن كل ذلك.. ومع ذلك لا نجد من ينظر إلى المشكلة على أنها تنمو وتتفاقم في بيئة كأنها خالية من العقلاء والحكماء.. بيئة تشبه الصحارى التي تسمح بنمو الأعشاب الشوكية في كل الاتجاهات، فلا ينال من يقترب منها سوى الوخز أو الخدش. وإذا كانت الصحارى غير مكلفة بتقليم وتشذيب نباتاتها وأشواكها، فهل على الإنسان وهو العاقل والمكلف أن يقلد الصحراء في سلوكها فيترك ساحته التربوية والاجتماعية والثقافية هكذا عارية بدون تقليم أو تشذيب تيمناً بالسلوك الصحراوي؟! لقد تحول الفراغ إلى وحش كاسر يعبث بحاضر الشباب ويقضي على أي أمل لهم في مستقبل واعد لهم بالخير والازدهار.. فأين التربويون الذين لايتباهون بمقدار ماحققوا من إنجازات وهمية وإنما يخفضون رؤوسهم خجلاً من قلة حيلتهم وضآلة دورهم في وضع الخطط والبرامج للاستفادة الحقيقية من المخيمات الصيفية وليس فقط من أجل الحصول على اعتمادات مالية لتغذية المراكز التي لاتشبع فإذا شبعت وهنت قواها فنامت، فلا يُسمع غير شخيرها؟!!