يصادف يوم السادس عشر من ديسمبر الذكرى السابعة والثلاثين لوفاة الشاعر والفنان الشامل لطفي جعفرأمان، فقد انتقل لطفي إلى جوار ربه بعد معاناة مع مرض القلب بمستشفى المعادي بالقاهرة في ديسمبر من عام 1971م حيث نقل جثمانه إلى مسقط رأسه عدن ودفن فيها بعد أن ترك إشارات هامة في الشعر والنقد والتشكيل والموسيقى . يعرف الكثيرون الراحل أمان بوصفه من أبرز شعراء الوجدان والرومانتيكية النصيّة، ويعرفه آخرون بوصفه إعلامياً متميزاً خاض غمار العمل الإعلامي بتنوعه، وكان أول صوت إذاعي يُبث من أثير إذاعة عدن العريقة، وإلى ذلك عُرف عن لطفي إجادته اللغة الانجليزية، وتبحره في آدابها الكلاسيكية، ولعل القليلين يعرفون عنه قدراته التشكيلية المُتقدمة قياساً بأربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم، وقد وقعت شخصياً على سلسة من رسوماته بالقلم الرصاص، ولوحة “ بورتريت “ لفتاة بالألوان المائية، فتيقّنت من قدرات لطفي المبكرة في تجريب التشكيل مما يذكرنا بمثابة جبران خليل جبران، فقد كان لطفي كجبران رومانتيكياً حالماً وتشكيلياً سابحاً في فضاء التعبير البصري المُحايث لألوان البهاء والزرقة وأقواس قزح. لكن الأهم من هذا وذاك أني قرأت في عدد قديم من مجلة « الحكمة » الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بعض المقاربات النقدية التي سطرها لطفي في وقت مبكر من القرن المنصرم، وكان فيها رائياً لجديد الشعر والتعبيرات الفنية، ومعاصراً للثقافة النقدية الجمالية الأساسية التي تبرر مثل تلك المقاربات، وتُلمح الى كفاءة إضافية لفنان شامل في تعبيراته ورؤاه، وأخيراً وليس آخراً كان لطفي موسيقياً عازفاً، ومؤلفاً مؤكداً لجُمل لحنية قد تكون مهّدت لروائع الغناء الذي حمل بصمة الثنائي « لطفي / احمد قاسم » ، وكان إلى ذلك دراماتورجياً حد التقليد للأصوات بطريقة المونودراما المسرحية متعددة التعبيرات الصوتية. فعلها غير مرة بالإذاعة عندما حل محل مجموعة بكاملها من الممثلين!!. كان يجيد تقليد الأصوات مُتماوجاً مع لوغاريتمات الآماد المُتغايرة للصوتيات البشرية . وكان أيضاً تربوياً ومؤلفاً لكتب الأطفال، وقد تولى وظيفة وكيل وزارة المعارف في نهايات حياته الوظيفية. لقد تعمّدت الاشارة لملكات لطفي جعفر أمان التي لا تغني عن استسبار أغواره، وقدراته المتميزة التي تجلّت بصورة أخص في شعريته الاستثنائية سواء بالعربية الفصحى أم باللهجة العدنية الدارجة، وهذه الاشارات العابرة لبوارق لطفي المسافرة اقتضتها ضرورة الذكرى والمناسبة، وقد يكون من الملائم هنا إعادة الذاكرة لسلسة الوعود القديمة الجديدة بإطلاق جائزة لطفي الإبداعية التي لن تقف عند تخوم الشعر بل ستشمل الموسيقى والتشكيل، وكذا اقامة متحف لطفي. أتذكر مثل هذه الوعود وأنا أرى مدى وفاء اللبنانيين للشاعر الفنان الشامل جبران خليل جبران الذي يتوازى مع لطفي في أُفق ما، لكن لطفي كان معادلاً كبيراً لفصوص النصوص التي تشمل الموسيقى والشعر والتشكيل والدراما والنقد مما لا يتسع له المقام والمقال تفصيلاً.