كثيرة هي الظواهر المجتمعية السيئة التي مازالت تثقل كاهل اليمن، وتذكّر اليمنيين دائماً بماضيهم البائس الذي مازالوا يدفعون ثمنه حتى اليوم.. إلا أن بقاء شوكة بعض ذلك الموروث قوية وقادرة على تنغيص حياة المجتمع رغم التحول المدني الكبير الذي شهدته اليمن بعد وحدتها المباركة، يؤكد أن ثمة خللاً في نظم الحياة اليمنية يقف وراء استمرار ظاهرة الاختطافات مثلاً حتى يومنا الحاضر. فظاهرة اختطاف مواطنين يمنيين أو أجانب لاتمت لثقافة العصر بأية صلة، بقدر انتمائها إلى «زمان القبيلة» عندما لم تكن في اليمن دولة بمعناها المؤسسي، فكان يضطر البعض للاختطاف بقصد المساومة بالمخطوف على حقوقه أو مطالبه.. وكان البعض في بداية عهد الدولة المؤسسية في اليمن يتخذ منها سبيلاً للفوز بمشروع لقريته. كنا نفترض ان تتراجع الظاهرة بشدة مع تحول اليمن إلى تجربة المجالس المحلية باعتبارها سلطة منتخبة من أبناء المنطقة نفسها، لكن يتضح أنها ثقافة متوغلة في السلوك الاجتماعي وتتطلب جهداً عظيماً لاجتثاثها أو الحد منها على أقل تقدير من خلال مكافحتها بالوعي الثقافي. حاولت قبل يومين مناقشة أحد أفراد الأمن بظاهرة الاختطاف، والطريقة التي تتعاطى بها الدولة معها، فخلصت إلى أن اجهزة الأمن لا تستخدم القوة العسكرية ليس ضعفاً منها أو خوفاً من عشرين أو ثلاثين مسلحاً وهي تمتلك مئات آلاف الأفراد، ولكن لوجود اعتقاد لدى المؤسسة الأمنية بأن الخاطفين ليسوا مواطنين غير صالحين، أو مجرمين بقدر ما هم ضحايا الجهل والأمية وضعف احتكاك بعض المناطق بالحياة المدنية العصرية، وبالتالي فهم يعاملون المخطوفين بمنزلة الضيوف الذين يتوجب مداراتهم وإكرامهم، وهو السلوك الذي يعزز الاعتقاد بأنهم أناس غير شاذين أخلاقياً في طبيعتهم، ويجهلون أن أعمال الخطف تدخل في سياق العمل اللا أخلاقي!. إن هذا المنطق يفسر البعد الإنساني في أداء الاجهزة الأمنية اليمنية، ويؤكد أن النظام اليمني ليس نظاماً قمعياً، وإنما ينظر بعين العطف على أبناء شعبه.. ومع ذلك فإن وجود مشكلة اختطافات لا تعفي أحداً من المسئولية، لكنها طبقاً للابعاد القائمة بها يجب أن تتحمل مسئوليتها الأولى المؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني الوطنية طالما محور المشكلة هو الجهل والتخلف والعزلة. فمن المؤسف حقاً ان تركز المشكلة في مناطق معينة معروفة لم يلفت أنظار المؤسسات الثقافية والمنظمات المدنية، ولم يشعرهم بمسئولياتهم لتكثيف جهود التنمية الثقافية في تلك الجهات، لأنها تستسهل العمل في قلب العاصمة أو مراكز المدن حيث الصالات المبهرجة وفنادق الدرجة الأولى !. والمؤسف أكثر أن هذه المؤسسات هي نفسها التي تحمل أجهزة الأمن المسئولية، وتطالب الدولة باللجوء إلى قوة السلاح في ردع الخاطفين. بتقديري ان أجهزة الأمن اليمنية أكثر وعياً وثقافة وانسانية من المؤسسات الثقافية والاعلامية والمنظمات الحقوقية، وأنها لو سمعت نصحهم واستخدمت القوة ضد كل الخروقات الناجمة عن مخلفات الجهل والعهود البائدة لأصبح نصف السكان في بطون المقابر. فمتى نتعلم ان الأم لا تذبح ابنها البليد أو المولود بتخلف عقلي على خلفية حماقاته، بل تمد له يد العون، وتساعده، وتعلمه حتى يعي أموره ويصلح الله له عقله.. فلنمد أيدينا إلى مناطق ثقافة الاختطافات .