مع قرب أعياد الميلاد وبداية السنة الميلادية الجديدة، تحتفل كثير من الشعوب والأمم في قارات العالم الفسيح بهذه الأعياد بطقوس وأساليب متعددة ومختلفة، حيث تبدع الشعوب في ابتكار وسائل وأساليب جديدة كل مرة. وبهذه المناسبات يتبادل الأصدقاء والأقارب ملايين الرسائل الالكترونية عبر الهاتف أو الشبكة الدولية للمعلومات «الانترنت»، أو يرسلون بطاقات المعايدة عبر البريد العادي أو المستعجل محملة بأصدق التهاني والأماني الطيبة بسنة جديدة وبطول العمر وتجدد الذكريات الحلوة والمناسبات السعيدة، كما يتم تبادل الهدايا التي يتفنن المنتجون وصناع الهدايا في تغيير أشكالها ووسائل تغليفها مثل : «الزهور بألوانها، والدمى أو التذكارات مختلفة الأشكال والألوان بمايتوافق مع اتجاهات السوق وأمزجة ورغبات جمهور المستهلكين صغاراً وكباراً، بمافي ذلك تقليعات وموضات مختلفة من رقائق الشوكولاته بأنواعها، بعضها يصنع بأشكال حيوانية وبشرية، بل حتى الأحذية تجد لها نصيباً ضمن قوالب الشوكولاته، وضمن قوائم الهدايا في كثير من المجتمعات الغربية. وفي هذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أن الحذاء يرتبط في ذاكرة الشعب الأمريكي وشعوب المجتمعات الغربية المسيحية باحتفالات أعياد الميلاد والأساطير الشعبية المرتبطة بشخصية بابا نويل، وكثير من الآباء والأمهات يحرصون على شراء حذاء شبيه بحذاء بابا نويل ليضعوا فيه كثيراً من الحلوى والهدايا التي يقدمونها لأبنائهم صبيحة يوم الميلاد وبمناسبة الاحتفال بأعياد رأس السنة. وربما نسجل في احتفالات أعياد رأس السنة الميلادية لهذا العام موضة استثنائية بحظر أو بزيادة تبادل الهدايا المرتبطة بالأحذية بمناسبة أعياد رأس السنة على خلفية ماحدث أثناء زيارة سيء الذكر جورج دبليو بوش، الذي ساقته الأقدار في آخر أيام حكمه إلى عاصمة الرشيد في جولة ظنها وداعية وخاتمة سعيدة للاحتفال بنهاية فترة حكمه، أو لتقديم فروض الاعتذار لشعب العراق عن الأخطاء الناجمة عن بيانات ومعلومات استخباراتية كاذبة ادعى - زوراً وبهتاناً - أنها كانت سبباً في وقوعه في الخطأ واتخاذ قرار غزو العراق وإبادة شعبه وتدمير مقدراته ونهب ثرواته. وأبي الصحفي العراقي منتظر الزيدي إلا أن تكون نهاية مخزية ومذلة ووصمة عار لن تمحى من ذاكرة الرئيس بوش والشعب الأمريكي بسهولة. ولا أحسب الرئيس الأمريكي كان سعيداً وهو ينهي آخر أيام عهده المتسم بالفوضى واتساع قاعدة الإرهاب بهذه الوصمة التي لن تمحى من سجلات التاريخ إلى الأبد. فبدلاً من حبات الأرز وأكاليل الغار والورود التي ظنت وسائل الاعلام الغربية أن الشعب العراقي سيستقبل بها قوات الغازين لأرض الرافدين وقادتهم، مثلت الأحذية الثقيلة «عابرة الكراسي والمنصات» آخر تقليعة ابتكرتها المقاومة الشعبية العراقية ضد رموز وقادة بلدان الاحتلال وجاءت تعبيراً رمزياً عن صرخات مكبوتة، وردود فعل غاضبة لم تجد متنفساً لها، في أجواء العنف والقمع والكبت السياسي والاعلامي التي مارستها سلطات الحكم على الشعب العراقي بعد الاحتلال الأمريكي، وهي الممارسات التي تلاشت معها كل الأماني والوعود بتحقيق الديمقراطية وحقوق الانسان التي رفعت في بداية مراحل الغزو الأمريكي للعراق والصحفي العراقي الزيدي، بفعل ذاك دشن بداية مرحلة جديدة من مراحل المقاومة عندما أرسل خفية الواحد تلو الآخر احتفاء بقائد جيوش الاحتلال الأمريكي لدولة العراق الشقيق على مرأى ومسمع من شعوب العالم التي تابعت على الهواء وقائع المؤتمر الصحفي، ومعها أرسل صرخة مدوية لكل العملاء والخونة المتعاملين مع قوات الاحتلال، ولكل من اعتقد أن الرئيس الأمريكي سيفلت من العقاب عن أفعاله أو أن التاريخ سينسى كل جرائمه التي ارتكبها بصورة مباشرة بحق الانسانية في العراق وافغانستان، وبطريقة غير مباشرة في كثير من دول العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، الناجمة عن سياساته وقراراته الخرقاء في مكافحة الارهاب التي جرت الخراب والدمار والأزمات المالية والاقتصادية على العالم برمته وسجل للتاريخ أن الشعوب يمكن أن تقهر وتستعبد لكنها أبداً لاتموت، وأن محكمة الشعوب هي أكثر المحاكم عدلاً ونزاهة، لأن الوقائع فيها لاتزور ولاتعدل أو تكيف وفقاً لإرادة المنتصرين، كما في مهزلة محكمة«الدجل عوضاً عن الدجيل» للرئيس الراحل صدام حسين، ومحاكم يوغوسلافيا السابقة، ومحاكمة مجرمي الحرب في رواندا وبوروندي.. وبالرغم من وقع الحادثة السلبي على نفسية الرئيس الأمريكي فإنه قد حرص كما أفادت بعض وسائل الاعلام على أن يعود من قطرالعراق الشقيق بخفين ثقيلين ليسا خفي حنين، كما جاء في المثل الشعبي العربي القديم، لكنهما هذه المرة خفي.. الزيدي الذي أبى إلا أن يترك بصمته في تاريخ الرئيس جورج بوش في آخر أيام ولايته، معرضاً حياته وحياة أسرته لخطر الانتقام من سلطات سقطت عنها كل أوراق التوت التي تسترت بها لفترة طويلة من الزمن، وضربت عرض الحائط بكل مناشدات ونداءات منظمات حقوق الانسان والصحفيين عبر العالم التي دعت محاكمته محاكمة عادلة بتهمة مذلة للمحكمة قبل أن تكون مذلة للزيدي، وليرسل تحذيراً لكل القادة المتسلطين والعملاء والمتآمرين على سيادة الشعوب ومصالح الأمم وسطر رسالة لكل هؤلاء مضمونها في غاية الوضوح: احذروا أن ترميكم شعوبكم بأحذيتها، وأن يسجل التاريخ مثل هذه النكتة السوداء في صحائف سوابقكم، لأنكم ستجدون في كل أمة الآلاف من أمثال الزيدي مستعدين لرميكم بالأحذية، لتصيروا مثلاً تحكيه الجدات لأحفادهن.