ما انفكت معظم الدراسات الغربية والدولية تؤكد أن الإرادة السياسية اليمنية قوية بما فيها الكفاية للتغلب على كثير من التحديات الصعبة التي تعترض المسيرة التنموية، غير أن تلك الدراسات غالباً ما تنظر إلى القوى التقليدية المتنفذة كأحد أهم معوقات المشروع الحداثي للرئيس علي عبدالله صالح. مؤخراً بدأت أدقق في تلك الملحوظة وأتعقب أثرها على أرض الواقع، فقادني البحث إلى قناعة بأن أخطر آثار القوى التقليدية المتنفذة تركزت على الناحية الأمنية، وأن الغالبية العظمى من المشاكل المحلية والقلاقل مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالأدوار التي تلعب فيها تلك القوى دور «الوسطاء» بين المجتمع المحلي والدولة. لا نبالغ إذا جزمنا بأن «الوسطاء» أصبحوا عبئاً على الدولة وأجهزتها، بل إنهم تسببوا في أحيان كثيرة بتعقيد مشاكل اليمن، وجرها إلى مسلسل متعاقب من الأزمات، وليس هناك ما هو أدل على ذلك من موضوع الاختطافات التي حوّلت بعض «المتنفذين» إلى أشبه بوكالة متخصصة تعمل بطريقة قوات التدخل السريع، غير أنها تتدخل ليس للحسم الآني للقضية بل لقطع الطريق على الأجهزة الأمنية والحيلولة دون إنهاء الاختطاف بغير مغنم. ففي كل مرة تحدث عملية اختطاف في منطقة معينة تُفاجأ الأجهزة الأمنية بأنها ما إن تصل مكان الخاطفين إلا و«الوسطاء» استبقوها إليه بمدة، وبصفة رسمية، فارضين تسوياتهم على القانون، وضاربين هيبة الدولة عرض الحائط. أما المفارقة الأخرى فهي أن التسويات التي يجريها «الوسطاء» غالباً ما تضمن وعوداً غير قابلة للتحقيق، وهو الأمر الذي يجعل باب عودة المشكلة للاشتعال مرة أخرى مفتوحاً على مصراعيه، وحينها لن تجد الدولة نفسها أمام طرفين متنازعين بل أكثر من ذلك، إذ أن «الوسطاء» سينضمون إلى طرفي المشكلة، ليمارسوا جميعاً عملية ابتزاز سافرة للدولة.. وعليه فإن ظاهرة الاختطافات تحوّلت إلى مشاريع ابتزازية، وتجارية، علاوة على تحوّلها إلى أحد الأسباب الرئيسية لزعزعة استقرار اليمن، إثر فرض القوى المتنفذة نفسها بديلاً عن المؤسسة الأمنية، وتكتيكاتها، ومهاراتها.. وتلك هي الطامة الكبرى. إذن كيف بوسع اليمن كسب رهان الدولة الحداثية المؤسسية في ظل هذا التداخل في الوظائف والمسئوليات بين الأجهزة الرسمية وبين الجهات المحلية ممثلة ب«الوسطاء» !؟ وإذا كانت الثقة بالوسطاء أكبر من الثقة بالوزراء أو مديري الإدارات فما يمنع من استحداث «وزارة الوسطاء» كهيئة متخصصة بالتدخل السريع وحل مشاكل الدولة مع المجتمع المحلي قبلياً، وبتسويات مالية !! أعتقد أن تعزيز هيبة الدولة، وبلوغ المشروع الحداثي للأخ رئيس الجمهورية لا يتفق اطلاقاً مع الدور المناط بفئة «الوسطاء» ولابد من انهائه لتموت المشاريع الابتزازية معه.