بين اليومين الأخيرين من أكتوبر 2008م، والحادي والعشرين من يناير الجاري مساحة من الزمن تقترب من التسعين يوماً، كانت حضرموت والمهرة قد شهدت في الأولى موجة غزيرة من الأمطار تسببت في أضرار بشرية ومادية لم تزل آثارها بادية للعيان حتى اللحظة، ولم تتجاوز الحلول والمعالجات الرسمية حدود الوعود العرقوبية التي ما برحت تنثرها هنا وهناك، والواقع ينبئ بغير ذلك، ليأتي الموعد الزمني الثاني محملاً بموجة متوسطة من الأمطار التي سالت على إثرها الوديان والشعاب ولكنها أضافت عبئاً جديداً على ما شهدته حضرموت من انهيارات في البنية التحتية للكثير من المرافق الخدمية ومشروعات الطرقات التي عادت لها حالتها البائسة ما بعد كارثة السيول. المكلا اليوم كحاضرة لحضرموت وعنوانها الأول وواجهتها الحضارية وضعها لا يسر ويسيء إلى الواجهة المسؤولة بسبب استمرار التسويف في وضع (خارطة طريق) سليمة ترسم ملامح مدينة عصرية وفق قواعد هندسية بمواصفات تلتزم الجودة في حدّها الأدنى، ولم نقل مقاييس عالمية، كي لا نغرق في الأوهام، الأمر الذي يضع الجهات المسؤولة جميعها عن مكونات هذه المدينة ذات الامتداد الكبير أمام ضرورة إعادة النظر في التخطيط العمراني الذي شاب المدينة في السنوات القريبة المنصرمة وما شهدته من مشروعات بنى تحتية صارت من المشكلات التي تعاني منها وتحتاج إلى مواجهة حقيقية وصدق مع الذات والمواطن والوطن للخروج بحلول ناجعة تعيد للمدينة صورتها الأنصع التي نتغياها. ولتكن البداية من خلال ملامسة المشكلات التي تعاني منها مدينة المكلا وجدولتها وفق رؤية مستقبلية تعالج المتاح وعينها على الممكن وقلبها على المستحيل، أجندة تبدأ بوضع الحلول الحقيقية لمعالجة تصريف المياه وشبكة المجاري التي تطفح بعد كل موجة مطر صغرت أم كبرت، فتعبث بالطرقات وتغرق المدينة في قاذورات المجاري التي تظل مهيمنة على مفاصل المدينة و(تجعث) جمالها وتشوّه سحرها الذي يألفه عشاقها ومرتادوها. إذ يبدو أن المكلا هي المدينة الوحيدة التي أصبحت تخاف من المطر وصار لها (فوبيا) لا تستطيع إزاحته من هاجسها اليومي، في حين يغدو مطلباً وأمنية لمدن العالم قاطبة يضيف إلى ملامح الجمال ملامح ألقٍ جديدة ويغدقها بنسائمه وروائح عطره الزكية. فهل تعمل الجهات المسؤولة في السلطة المحلية ومكاتب فروع الوزارات ذات الصلة بحضرموت على تطييب خواطر المدينة وأهلها أم سيظل المطر مؤشراً على (جعث) جديد يجتاح المدينة بعد أن كان رحمة محملة بأثقال من الجمال والخير والفتنة؟ وكفى!..