ماتت قلوب الناس ماتت بها النخوة يمكن نسينا في يوم أن العرب إخوة»... إلخ ما أطل به علينا كوكبة من الفنانين والفنانات العرب في إطار العمل الغنائي المسمى «الضمير العربي» وهذا العمل وإن كان عملاً فنياً يستحق فعلاً كل التقدير ويستحق كاتبوه ومنفذوه ومموسقوه ومغنوه ومنتجوه... إلخ كل الشكر والاحترام، لأنه يعبر عن موقف إنساني بالدرجة الأولى تجاه قضية العرب الكبرى «فلسطين» وشعب فلسطين الذي لا يوجد لون من ألوان العذاب والقهر والإذلال إلا وقد مارسه الاحتلال الصهيوني بحق هذا الشعب الفلسطيني العربي المسلم الذي يحتل أرضه ويدنس مقدساته على مرأى ومسمع من العالم كله بما فيه الأشقاء العرب ودول منظومة الأمة الإسلامية على امتداد جغرافيتها في العالم.. ولكن.. وقد تمادى العدو الصهيوني الاسرائيلي في جرائمه وعدوانه على هذا الشعب العربي وعلى هذه الفلسطين العربية وعلى «القدس الشريف» وعلى أرض هذا الوطن المسلوب الحرية والكرامة أرضاً وشجراً ومنازل ومساجد ومشافي ومدارس وحدائق أطفال ومخابز وحتى أماكن لقضاء الحاجة، أقول وقد وصلت الوحشية بهذا العدو المحتل إلى هذه الدرجة التي رآها العالم أجمع في مجزرته البشعة في «غزة»: هل من المنطق أن نظل في إطار الحلم العربي نمارس طقوسنا الفنية والسياسية والعاطفية تجاه قضيتنا الرئيسة «فلسطين» ونحن نعلم أن الحلم ما هو إلا ضرب من التمني الذي سرعان ما يتبدد في لحظة الصحوة الحقيقية التي تحمل لك الواقع المعاش بكل تفاصيله على الأرض؟!. أعتقد أن لغة المنطق والواقع السياسي المتردي الذي يعيشه الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج تفرض علينا واقعاً جديداً يجب أن يسود، ليس على الساحة الفنية فقط بل في كل مجالات سلوكنا العربية الحياتية بدءاً من الأغنية وانتهاءً بآخر طلقة لردع هذا العدو الصهيوني المحتل والمتوحش. وهذا في اعتقادي ما يجعل من «الحلم العربي» لفظاً ومضموناً غير مقبول منطقياً لمواجهة هذا الاسرائيلي الذي لا يحترم القوانين الإنسانية ولا العسكرية، ولا يراعي إلّا ولا ذمة، ويعتبر الوجه الأكثر بشاعة في عالم القرن الحادي والعشرين لإرهاب الدولة المنظم ضد شعب أعزل ومحاصر يفتقر إلى أبسط وسائل الحياة كالماء والدواء والخبز والحليب والكساء. إذن فنحن العرب على وجه الخصوص شعوباً وأنظمة ومبدعين وفنانين وجيوشاً ورجال قانون وأساتذة جامعات وطلاباً وأحزاباً ومنظمات مجتمع مدني.. إلخ نحن جميعاً في أشد الحاجة الآن ليس إلى حلم عربي نغنيه ونحن نجلس على أطلال غزة أو قانا أو صبرا وشاتيلا أو دير ياسين نبكي الديار الخراب والأطفال الذين تقطعت أجسادهم وصارت أشلاؤهم جزءاً من ركام الدمار الذي يتبارى على إحداثه القادة الاسرائيليون.. وإنما نحن بحاجة إلى طموح عربي.. على أقل تقدير.. لأنه أفضل من الحلم ولأنه مشروع قابل للتفعيل متى ما توافرت له مقومات التنفيذ، فالطموح هو رؤية مستقبلية تتملك الفكر والوجدان وبفعل قوة الإيمان والعزيمة والإرادة والنخوة... إلخ الداعمة والدافعة يصبح طموحنا المستقبلي في تحرير أرضنا الفلسطينية من دنس الاحتلال الاسرائيلي يصبح حاضراً نعيشه سلوكاً ممارساً نسعى من خلاله جاهدين إلى تحقيق هدفه المنشود. فالمقاومة مثلاً طموح يترجم على الأرض رؤيته للاحتلال، وتضع أي المقاومة بعيداً عن خيال الأحلام تضع وتصنع لغة جديدة للحرية والاستقلال والكرامة وحب الوطن. هذه المفاهيم التي كثيراً ما نسمعها في طيات مشاريع أحلامنا العربية التي كلما أفقنا من إنشادها صدمتنا حقيقة واقع الاحتلال المريرة ليس لفلسطين وشعبها فقط بل لكل وطننا العربي الكبير وثروته وقواته؛ الأمر الذي أودى بنا كأمة عربية لها تاريخها وحضارتها في مزبلة التاريخ.. وبالتالي أصبح من الضروري بمكان أن نغادر دوائر الأحلام المغلقة والانفعالات المبتذلة ونحن نرى العدو أمامنا رأي العين يفعل فينا ما يشاء. يجب أن نجند كل طاقاتنا الإبداعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية في قوة طموح عربي واحد نكتب أبجديات أناشيده الثائرة بحبر من دم الأبطال وعلى إيقاع أصوات المقاومة الباسلة في خنادق المواجهة الصادقة مع العدو، سوف نلقى الأشجار والأحجار والطيور والزهور والأطفال والنساء والشعراء والمحامين وفرسان الجيش العربي المؤمن بدحر الاحتلال، سوف نلقى كل هذا صورة واحدة لطموح عربي واحد رسمت ملامحه إرادة الشعوب وصدق الأنظمة لتكون واجهة النخوة والأخوة العربية في ميادين التحدي وردع عنجهية الصهيونية المتوحشة؛ لأن العدو وكما أثبتت التجارب يستمد قوته من ضعفنا وتشرذمنا، والأحلام لا تصنع انتصاراً. ولنا في الموقف الشجاع للحقوقيين الذين جمعتهم أخلاق المهنة الشاهد على مدى ضعف هذا الاسرائيلي. ويكفي أمتنا ضعفاً وبيعاً وشراءً في قضية العرب الكبرى «فلسطين» وإن حصار غزة اليوم ليس حصاراً لحركة حماس بل هو عدوان مساند لمخطط القتل الشامل لمليون ونصف المليون من أبناء فلسطين. وإذا كانت اللعبة الانتخابية اليوم في اسرائيل تنص على أن من يقتل أكثر من أبناء غزة يحظى بالثقة لدى الصهاينة؛ فليكن مشروعنا المقاوم والطموح والرادع من جنس العمل، ويكفينا تمترساً في معابر مقاومة المقاومة.. ويكفينا تبريرات لمواقفنا المشينة كعرب والتي تمدد الوقت للأمة كي تزيد استغراقاً في نومها وتلذذاً بحلمها العربي دون أن تيقظه أو توقظ فيه نخوته الأصيلة. وللعلم أنه إذا كانت حماس كحركة غير مقبولة نوعاً ما لدى بعض الأنظمة التي تغض الطرف عن مأساة غزة مثلاً؛ فهل كان نظاماً اسلامياً يحكم العراق قبل العدوان عليه واحتلاله؟!. فالمسألة ليست بالمقنعة، والأسباب وإن صدقت فإنها أقبح من كل الذنوب، لأن الحلم الذي يتبادر الصامتون إلى استمراره أن نظل أمة تحلم فقط بخروج صلاح الدين من قبره لتحرير القدس العربية، أما الطموح - وهذا ما يشتد الخناق عليه - فأن لا تخرج إلى النور أية مبادرة عربية صادقة تضع حداً لهذا الحصار وهذا العدوان وهذا الاختلاف في البيت العربي الفلسطيني ليظل أطفال غزة يموتون كل يوم جوعاً ومرضاً دون أن تدخل إليهم قطرة حليب أو دواء، وبالتالي يتحقق لمجرمي الحرب في اسرائيل الفوز بثقة ناخبيهم بما حققوه من قتل وتدمير في الشعب الفلسطيني بعدوانهم هم أو بمساعدة الحصار لهم. وفي كل يوم تزداد المأساة هناك، ولا شيء من الخجل يحفظ على الأقل ماء وجوهنا سوى استمرار الوضع كما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى... فهل سنظل نردد فقط: «ده حلمنا، طول عمرنا» حتى يصبح هذا الحلم الواقع المفروض ونستكين إلى الأبد؟!.. اللهم فاشهد.